طبيعى أن كل الدول تواجه تحديات ومنافسة، وموضوع حرب المياه من القضايا المطروحة منذ بداية التسعينيات، وموجودة فى مؤتمرات للأمم المتحدة، ومنظمات المياه والمنظمات الدولية. والخلاف مطروح منذ عام 1958، وتجدد عام 1979 وجرت مناوشات، كما يمكن العودة إلى مؤتمر الأمم المتحدة للدول النامية عام 1981 عندما أعلنت إثيوبيا رغبتها فى استصلاح 227 ألف فدان فى حوض النيل الأزرق، وأنها تحتفظ بحقها فى تنفيذ مشروعاتها مستقلة، وبداية عام 1984م بدأت تنفيذ مشروع سد (فيشا)، بتمويل بنك التنمية الأفريقى. وهو مشروع يؤثر على حصة مصر من مياه النيل بحوالى نصف مليار متر مكعب، وتتوقع الدراسات أن تؤثر مشروعات إثيوبيا على حصة مصر بـ7 مليارات متر سنوياً بعد اكتمالها. ولدينا اتفاقية عنتيبى ومؤتمر شرم الشيخ 20.10
توقعات حروب المياه مطروحة وليست اختراعا، ومع كل هذا نجد بعض السادة عندنا يعتبرون الأمر كله تهويلا، وأن الأمر لا يستدعى القلق، كما جاء فى بيان الرئاسة، فى الوقت الذى يتحدث فيه وزير الرى عن انتظار الدراسات. وإذا كان الأمر لا يستدعى التهويل، فهو لا يستدعى التهوين، وأن نتعامل على طريقة جحا «طالما النار بعيدة عن بيتى خلاص» وتقترب «طالما بعيد عن ملابسى خلاص» حتى يصل إلى كل مكان.
ما يجرى أن مؤيدى النظام والجماعة يعتبرون كل من يقول ذلك يستهدف إحراجهم أو المزايدة عليهم، بينما قضية المياه والعطش ليس فيها مزايدة، وإنما فيها علم وخبرة ودراسة ومعلومات، لكن مانراه أن رئيس الحكومة رايح جاى على إثيوبيا، بلا نتائج واضحة.
لا أحد يدعو لحرب عسكرية، والحروب ليست فقط العسكرية، لكنها حرب دبلوماسية واقتصادية وأمنية، هناك أوراق للتفاوض، ومراعاة مصالح كل الأطراف، ولا يمكن تقبل الرأى الرسمى الذى يقلل من قيمة خطر معلن وواضح، ومطروح منذ الخمسينيات، ومتوقع مع تضاعف عدد السكان واحتياجاتها.
وعلى الدولة ممثلة فى الرئاسة والحكومة أن تفكر فى رد منطقى على تصرف إثيوبيا، بالرجوع إلى كل التفاصيل، ولا يكفى أن يخرج المتحدث الرسمى فى ثياب المطمئنين ويقلل من خطر سد النهضة، ونظن أن هشام قنديل كان وزيرا للرى ويعرف الأزمة، فهل ينتظر بعد فوات الأوان ليردد كلاما عن الرضاعة والقطن والطراوة وترشيد المياه؟ أم ندعم نهضة إثيوبيا، ونحن نتحدث عن نهضتنا؟
ثم أن البؤس السياسى لا يتوقف عند التهوين من الخطر المعروف من عقود، لكن أيضا السير فى طرق خاطئة وتفسيرات هلامية، من نوعية تلك التى أعلنها السيد حازم أبوإسماعيل، ويقول «إن بلاد عربية خاصة دول الخليج دفعت أموالا تقدر بـ30 مليار دولار دعما لسد إثيوبيا من أجل تعطيش مصر، وهو كلام يخلو من المنطق، ويصب فى طريق الشحن العاطفى، الذى يتجاهل الواقع، وكان على من يزعم هذا أن يقرأ الملف جيدا، بدلا من إطلاق ملفات بائسة، لا تليق بمرشح سابق للرئاسة كان يمكن أن يكون فى موقع المسؤولية».
نحن أمام تفكير رسمى هلامى، يخلو من المنطق، وتفكير حازمى بائس يبحث عن شماعات لقضية معلقة من سنوات.