لأول وهلة قد لا ترى وجها للشبه بين د. عبلة الكحلاوى والدكتور مجدى يعقوب فالأولى داعية إسلامية، والثانى جراح قلب عالمى، الأولى سيدة مصرية مسلمة والثانى رجل مصرى مسيحى، فلا تشابه فى الجنس أو العمل أو الدين لكن ما يجمعهما أنهما مصريان يعرفان معنى حب الوطن بالعمل والعطاء دون مزايدات أو شعارات، كلاهما قلبه عامر بالإيمان الحقيقى الذى لا يفرق بين البشر ويسعى لإسعاد البشرية وتخفيف آلامها دون التفتيش عن دين الإنسان أو عقيدته ونواياه.
كلاهما لا يشبه الآخرين ممن يتحدثون كثيرا ولا يعملون، وممن يظنون أنهم يملكون مفاتيح الجنة والنار، ويشغلون أنفسهم بتوافه الأمور وبما يفرق الناس ولا يجمعهم، ممن يتساءلون اليوم هل تهنئة المسيحيين حرام أم حلال بعد أن عشنا فى وطن واحد آلاف السنين.
المشتركات بين د. عبلة، ود. يعقوب كثيرة، د. عبلة داعية إسلامية تمارس الدعوة منذ أكثر من 25 عاما، ورغم ذلك لا تجد فى أحاديثها وبرامجها ما يثير الخلاف أو يسئ إلى أحد لذلك تحظى بحب جميع المصريين، كذلك د. يعقوب لا تراه يتحدث إلا عن الإنسان ولا ينزلق إلى مستنقعات الجدال الفارغ التى غرقنا فيها، كلاهما يقدس الإنسانية ويهتم بما ينفع الإنسان.
د. يعقوب لم ينس وطنه رغم مكانته العلمية والعالمية التى لا ينافسه فيها أحد ووقته الذى يقدر بالملايين، فاختار أبعد نقطة فى مصر وتذكر الصعيد الذى نسيناه ونسيته الحكومات المتعاقبة، رغم كثرة الحديث عنه، قرر أن يكون مركز القلب العالمى فى أسوان فى قلب هذه البقعة المهمشة من أرض مصر وأهلها، اختار أصعب الحالات وأكثر القلوب ضعفا ليساعدها ويفك كربها ويساعدها على الحياة بأمر الله، معياره الأول كما ذكر فى حديث له هو الإنسانية وأن يكون الإنسان محتاجا للمساعدة وخاصة الأطفال والفقراء والحالات المعقدة.
تعرف حجم ما يقدمه هذا الرجل لأبناء مصر حين تسمع كيف تتحدث عنه أمهات الأطفال الذين أنقذ حياتهم وخفف ضعف قلوبهم دون مقابل وتعامل معهم برقة وعطف وإنسانية، حتى أنه كان يحجز لهذه الأسر التى ليس لها مكان تقيم فيه فى أسوان أماكن وغرف فى الفنادق على نفقته.
لم يسأل أى منهم عن ديانته ولم يسأل إن كان الأولى أن ينقذ قلب المسلم أم قلب المسيحى، نفذ أوامر الله وطبق تعاليم الدين دون أن يتحدث كثيرا.
كذلك فعلت د. عبلة دون أن تتحدث، أنفقت معظم ما جمعته من أموال حصيلة عملها لسنوات فى العديد من الجامعات العربية على إنشاء مجمع الباقيات الصالحات الخيرى، واختارت أصعب المجالات وهو مساعدة المسنين من مرضى الزهايمر الذين تخلى عنهم أقرب الناس، فأنشئت دار" أبى" للرجال، ودار "أمى" للسيدات، وكلاهما تحوى بشرا فى أضعف حالاتهم، مسنين عجزة لا يستطيع أى منهم أن يقوم بأبسط الأشياء، عجزوا عن الحركة والكلام ويحتاجون لرعاية خاصة وصبر شديد.
تراها وهى تعاملهم وكأنها أم ترعى طفلها الذى لا يقو على شىء، ورغم أن أغلبهم لا يستطيع التمييز إلا أن جميعهم يعرفونها ويتعلقون بها كما يتعلق الطفل بأمه بعد أن لفظه أقرب الأقربين، حتى إن منهم من لم يهتم أبناؤه باستلام جثته بعد أن رحل عن الدنيا، كما أقامت دار "ضنايا" لرعاية الأطفال مرضى السرطان وأسرهم وخاصة المغتربين الفقراء الذين يأتون لتلقى العلاج فى القاهرة.
لا تسأل د. عبلة من يأتيها لطلب المساعدة عن دينه فيكفى أن يكون إنسانا يحتاج المساعدة، تسخر برامجها للحث على العمل وما ينفع الناس وتبكى حين ترى ما يحدث فى مصر من انقسامات وتتمنى لو استطاعت أن تجمع الشباب فى مشروعات يعملون فيها ويساعدون غيرهم ولكنها رغم ما تفعله تشعر دائما أنها لم تقدم ما يجب أن تقدمه.
د.عبلة ود. يعقوب نموذجان يطبقان روح الدين ويعرفان حق الله وحق الناس، يفهمان كيف يكون الدين لله والوطن للجميع.
نموذجان يعملان فى صمت، يجمعان الناس باسم الإنسانية فى وقت يفرق فيه غيرهم بين الناس باسم الدين، يزرعان الأرض حبا وخيرا بينما يزرع غيرهم من محترفى الكلام ومدعى الزعامة والتدين الشوك والفتنة، فهل تعود إلى مصر روح الدين التى يعمل بها د. يعقوب ود. عبلة حتى تخرج من كبوتها؟ّ!