أبرز ماشاهدته مصر فى عيد العمال، هو خطاب السيد الرئيس مرسى أمام عمال مصنع الحديد والصلب فى حلوان، وهى قلعة لصناعة الحديد والصلب أنشئت فى الخمسينيات وكانت بداية لمشروع نهضة حقيقى لتصنيع مصر، ولم يكن اختيار المكان بدلالاته الرمزية لعصر ناصر فقط، هو المؤشر على تغير الموقف من هذا العصر، بل إن خطاب الرئيس وإشارته بشكل مباشر للبنائين العظام لهذا الصرح، وقوله إنه جاء ليكمل مابدأه جمال عبدالناصر وعزيز صدقى، وأن هذه القلعة سوف تستمر، وأكمل أنه لن يبيع القطاع العام، ولن يطرد عامل أو يفصل تعسفيا.
السؤال هل فعلا هذا الخطاب يعنى تحولا فى الاتجاهات السياسية للرئيس محمد مرسى، الذى بدأ رئاسته فى خطابه الجماهيرى فى ميدان التحرير بالتحذير من الستينيات فى إشارة لعصر الرئيس جمال عبدالناصر، أم أنه خطاب المناسبة.
فى هذا السياق لابد من رصد الزيارة التى قام بها الرئيس إلى روسيا، ولقاء القيادة هناك، وتطابق وجهات النظر فيما يخص الوضع فى سوريا، ورفض التدخل الخارجى وتبنى الحل السياسى القائم على اتفاقية جنيف، التى تتطلب اتفاقا بين المعارضة والرئاسة السورية لمرحلة انتقالية، يتم فيها وقف العمليات العسكرية ثم حكومة وحدة وطنيه ثم إجراء الانتخابات، هذا التغيير فى الموقف الإخوانى بشكل عام والرئيس بشكل خاص، اعتبره البعض محاولة للعودة لاتجاهات المرحلة الناصرية سياسيا، وبوجود الرئيس فى حلوان، ورفض بيع القطاع العام، فإنه يعكس تطورا فى هذا الاتجاه..أنا فى الحقيقة لا أتفق مع هذا التحليل، وأستطيع أن أثبت أن هذه لحظة متغيرة وأن السياسة الخاصة بالرئيس لم يطرأ عليها تغييرا يذكر.
فيما يخص الخطاب نستطيع أن نقول إن خصخصة الشركات والقطاع العام بأكمله، تتم على قدم وساق، وأن قانون الصكوك الذى وافق عليه مجلس الشورى هو ذاته قانون الصكوك الشعبية الذى تبناه الوزير السابق محمود محيى الدين لبيع باقى شركات القطاع العام التى لم يتم بيعها بعد، بل إن الأخطر فى هذا القانون الجديد أنه لا يخص فقط شركات القطاع العام، وإنما كل مؤسسات الدولة المصرية، بل وهيئات الوقف المصرية، كذلك تعتبر قناة السويس رمزا لاستقلال مصر الحقيقى بقرار الرئيس جمال عبدالناصر بتأميم شركة قناة السويس، وتحويلها لشركة مساهمة مصرية، والآن نجد أن الرئيس يصدر قرارا بقانون بإنشاء إقليم قناة السويس، ويعطيه جميع الصلاحيات بالتصرف فى الأراضى المحيطة بالقناة باستثناء أراضى القوات المسلحة والشرطة، وهذا معناه خصخصة منطقة قناة السويس بأكملها، أما ما يخص التوجه إلى روسيا، أنا اعتقد أن العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية كما قال د. عصام الحداد مستشار الرئيس للشؤون الخارجية هى استراتيجية، وأن الزيارة إلى روسيا هى محاولة لخلخلة الموقف الروسى، وتليينه للقبول بالقرارات الدولية لحل الوضع السورى، وطمأنة الروس نحو مصالحهم فى حالة تغير النظام، وهو لا يخرج عن الموقف الأمريكى الذى يضغط على الروس لقبول تغير النظام فى سوريا، فى ظل اتفاق جنيف، الحقيقة الخطاب الناصرى للرئيس هو خطاب مؤقت ومرحلى، ولا يعبر عن تغير حقيقى فى السياسة المصرية، وإن كنا فى حاجة إلى حالة وطنية تشبه الحالة التى خلقها المشروع الناصرى، لكن الزمان غير الزمان والرجال غير الرجال.