الدكتور أشرف سلامة، واحد من هؤلاء، لا يذكر اسمه فى الدوائر التى داسها، إلا وتهللت الوجوه، وتبارى الحضور فى سرد نوادره دائما موجودون، اختاروا أدوارهم بعناية، هم لا يريدون شيئا من أحد، لا يتكالبون على ما يتكالب عليه المتكالبون، يذكرونك بأجمل ما فيك، ويجعلونك تخجل من حماقاتك وتسرعك وأحيانا طمعك، وجودهم ضرورة إنسانية أكثر منها سياسية «أو أى شىء من هذا القبيل»، هؤلاء كثار، أكثر من الذين لا «كبير» لهم، ستجدهم فى الدوائر المحيطة بالمبدعين والسياسيين وأهل الطريق، ثيابهم وقلوبهم وأياديهم نظيفة، حين تجد نفسك مرتبكا أو «مش فاهم» أو حزينا، تلجأ لأحدهم، تختار كل واحد حسب حالتك، لن تتحدث معه فى «الموضوع»، ولكنك سترتجل كلاما يدور حول ما اتفقتما عليه، ستعرف أنك على صواب أو على خطأ وأنت معه، بدون محسنات بديعية وجمل مترجمة، بدون حيل الذين لا يفهمون فى الموسيقى والشعر والعمارة.
الدكتور أشرف سلامة، واحد من هؤلاء، لا يذكر اسمه فى الدوائر التى داسها، إلا وتهللت الوجوه، وتبارى الحضور فى سرد نوادره، سيقول لك الفنان الكبير عادل السيوى «صديق دراسته فى طب القاهرة فى السبعينيات» إنه كان «حاميا» لنا فى الجامعة، ولا يقدر أحد «من الذين يحكمون الآن» أن يمزق مجلة حائط لليساريين، لأن أشرف موجود، بجسمانه القوى والبالطو الذى يجعل أى شخص «يفكر».. يعيد حساباته، الوحيد فيمن عرفت الذى يستطيع إقناع الفاجومى الكبير أحمد فؤاد نجم بشىء غير مقتنع به، يحبه أبو النجوم أكثر من أى شخص، ويأتمنه على أسراره رغم أنه لا توجد عنده أسرار، كانت شقته فى المنيل فى الثمانينيات وبداية التسعينيات ملعبا للبهجة والشعر والغناء كانت مفتوحة على الغورية وأكاديمية الحدائق ومقهى قايتباى، حسن الموجى ومحمد جاد الرب وأبو النجوم وحامد الحناوى وخيرى شلبى ولطفى لبيب ومحمود حميدة وسعيد عبيد ومحسن حلمى وأحمد عبد العزيز وأسامة خليل والجبيلى وإبراهيم عبد الفتاح وحسن عقل وعشرات من كل الأجيال فى بروجرام واحد، كان الجميع محبا لـ«يرحمنا ربنا»، الطبيب النفسى الذى يأخد مرضاه معه فى رحلاته الليلية داخل دهاليز القاهرة القديمة، يؤمن بأن الشعر سيأخذ الناس إلى ما يريدون، كان يحفظ فؤاد حداد وصلاح جاهين ونجم وبيرم والمتنبى ودرويش عن ظهر قلب، لا تعرف كيف كان يرتب القصائد وأرقام التليفونات فى جمجمته، فى معظم المظاهرات والمليونيات والوقفات المهمة ستجد أشرف سلامة موجودا هو والسيدة سعاد زوجته، ظهوره سيؤكد لك أن نزولك كان ضروريا، يعرف أشرف فى الناس، وتستغرب نفوره من بعضهم، تكتشفهم بعد ذلك، كانت عصبيته محببة، لأنها مرتبطة بشخص مختلف، لا ينافس أحدا على شىء، لا أحد فينا استطاع أن يعرف كيف أصبح زملكاويا، ولكنه كان عاشقا لكرة القدم «محليا وعربيا ودوليا»، ولا يأنس للآراء الجاهزة عن الأشخاص الموجودين فى الصورة، كان إبراهيم منصور، رحمه الله، يعتبره دائما «شخصية العام»، ولن ننسى ما فعله مع صديقه وصديقنا الراحل سعيد عبيد وتفرغه التام له فى آخر أيامه، كان أكثر من أخ وصديق، كان يفعل ذلك بحب وتفان وإخلاص، عندما مرض أشرف قبل عام ونصف تقريبا، ودخل لإجراء عملية فى القلب لم يخبر أحدا، هو لا يريد أن يشغل أحدا بحاله، هو دائما هكذا تجده مع الآخرين فى المحن، وعندما يكون فى محنة يختفى، وعندما تعافى لم يتصل بأحد، ولكنه عاد للظهور فى المظاهرات التى تنشد الحرية والقصاص والعدالة الاجتماعية، يستأنف معك حوارات لم تكن اكتملت قبل اختفائه، السبت الماضى انتقل أشرف سلامة إلى جوار ربه.