إن الإسراء والمعراج معجزة عقلية ومعجزة مادية واقعية فى نفس الوقت، وذلك لأنها تحدٍ واضح لكل المقاييس البشرية وما فوق البشرية، وهذا لأن الفاعل هو الله عز وجل «سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله».
ولأن الله فعال لما يريد فقد زاد فى درجة اصطفائه لحبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبالتالى رفع درجة الأمة الخاتمة، لأنه لم يوحِ عن طريق سيدنا جبريل لعبده عليه الصلاة والسلام بالركن الثانى للإسلام وهو الصلاة، بل أخبره به مباشرة حيث الله ولا شىء معه. وبذلك نالت الأمة درجة اصطفائية فى العبادات، وشهد بهذا الملائكة المقربين والأنبياء السابقين ثم شهد به المؤمنين جميعاً. وكان أول المصدقين سيدنا أبو بكر رضى الله عنه الذى لم يتردد طرفة عين فى أن يعلن تصديقه وإيمانه بكل ما جاء به سيد الخلق جميعاً، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وما زالت معجزة الإسراء والمعراج تمثل تحدياً واختباراً للناس أجمعين، فمنهم من يجد صعوبة فى أن يتقبل أن الرحلة كانت بالجسد والروح معاً، ويرى أنها بالروح فقط، ولكن مثل هذا التفكير لا يدرك قدره من خلق السماء والأرض والعوالم المرئية وغير المرئية على أن يحمل إليه عبده المصطفى صلى الله عليه وسلم، ليجعله يرى من آياته الكبرى ويكرمه أعظم تكريم، فيوجده فى «قاب قوسين أو أدنى»، ويجعله يرى عالم الغيب بكل ما فيه فيزداد قرباً وحباً، هو الحبيب المحبوب والوحيد الذى قام بهذه الرحلة وهذا اللقاء. اللهم صلى على من منه انشقت الأسرار وانفلقت الأنوار وفيه ارتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم، فأعجز الخلائق فلم يدركه من سابق ولا لاحق.