ليس بإمكان ما تملكه أن يصنع سعادتك بينما ما تفتقده هو الذى يصنع تعاستك، والجماعة تملك السلطة، ولكنها تفتقد العلم والرؤيا وحسن القيادة، تفتقد كيف تؤسس دولة، كيف تزرع مناخا اجتماعيا وسياسيا صحيحا ولهذا استمرت تعاستنا، ونحن نعيش فى «حضرة» الجهل ومضاعفاته ونتائجه. والجهل سواء كان حنجوريا، قويا أو شفويا أو تحريريا، فهو عمى بصر وبصيرة والجهل مع الاستبداد والفساد ثلاثى الدمار القاتل. إننا نعانى من «فقر الفكر وفكر الفقر» والتوصيف للرائع يوسف أدريس..فكر الفقر يسلمنا للخرافات والتشوهات التى تتخذ من الدين ستارا وجميع صور التدين الشكلى وما تصدره إلينا القنوات التى تسمى نفسها بالدينية وهى تقدم النموذج الذى لا يصح أن يرتبط بالإسلام، وفى ظل سيرك الجهل الذى يبهرنا بألعابه لا يمكن الوثوق سوى بالعلم والعمل ولا يمكن المساومة على التنوير، عندما يمنحنا الله فرصة وثورة، فيجب أن يكون فرض عين على كل مصرى، أن يتمسك بلحظة ميلاد حقيقية بدلا من الإحباط الذى دخل قلب مصر مثل كائن حى، يكبر ويشتد عوده بداخلنا. ومع افتراض صحة نظرية المؤامرة التى تؤكد أن سيدة العالم هى من خطط للثورة وأن الشعب المصرى استخدم كومبارسا ناطقا، أما باقى الشعب فكان متفرجا. لو كانت هذه النظرية صحيحة، فالأهم هو النتيجة التى غيرت مصر وأتت بمرحلة جديدة ولكن بدلا من البدء بثورة على الجهل بمضاعفاته ونتائجه..انسحبنا إلى عواقب متراكمة لخيارات متهورة وخاطئة بدأت بالإعلان الدستورى مارس 2011 وبدأ «الانشطار» بقوة دفع من اللواء ممدوح شاهين والمستشار حاتم بجاتو لتصدق الأغلبية أن «نعم» لهذا الإعلان المدمر، تذهب بنا إلى الجنة، وهكذا بدأ مسلسل الجهل حلقاته المتصلة المنفصلة. هناك نظرية فى علوم الأحياء تثبت أن خلايا الجسم لا تموت إلا إذا أراد صاحبها، وأن الموت العضوى ليس سوى استجابة لمطلب نفسى ملح، والمؤكد أن مصر ستعلن رفضها للموت وأن 30 يونيو سيكون بداية تصاعدية للوصول إلى الفجر الجديد. الصدمات الثورية المتتالية لم تنل من النقاء الثورى، ولن تفشل كل الطرق الممهدة للإحباط الآن متمثلة فى أسئلة من عينة: مين البديل وماذا لو ظلت سيدة العالم على انحيازها للجماعة وتمسكها ببقاء الوضع السيئ والمعقد على سوئه وتعقيده، وإحباطات أخرى منها التهديد بالعنف الإخوانى وبمليشيات الإخوان التى تتدرب فى غزة الآن بمعرفة وإشراف حماس. كل هذه الإحباطات تزيد مصر مناعة ورغبة فى ولادة جديدة تنحاز فيها إلى ثراء الفكر وفكر العلم وإبداع العمل والاغتسال من وثن الجهل.