مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يمكنك أحيانا أن تتعايش مع التلوث الذى تحدثه السياسة فى الأخلاق، أو العبث الذى تحدثه السياسة فى الاقتصاد، أو الفوضى التى تحدثها السياسة فى المجتمع، لكن كيف يمكن لنا، أنت وأنا، أن نتعايش مع الاستقطاب المخيف الذى أحدثته السياسة فى مجال الدعوة إلى الله، والفتوى باسم الشريعة، والاستدلال القائم على الانحياز الفكرى والتنظيمى؟ وكيف يمكن أن تطمئن قلوبنا إلى قامات من رجال الدعوة أجبرتهم السياسة على التورط فى دعم السلطان أو معارضته، وفى الولاء لولى الأمر أو الخروج عليه؟ لقد انتقلنا حتمًا من مرحلة كنا نتعامل فيها مع رجال الدعوة باعتبارهم شيوخًا للأمة، إلى مرحلة أخرى صرنا نرى هؤلاء الرجال «نشطاء تنظيميين»، وأصحاب فتاوى حزبية، وخبراء فى «تكييف» مبادئ الشريعة لصالح أنظمة الحكم، لا فى ضبط الحكم على ميزان كلمة الله.
الاستقطاب التنظيمى والحزبى يطعن بقسوة هذا الاطمئنان لرأى الشرع الذى نتوسله، نحن العامة، على لسان شيوخنا وعلمائنا، والاستقطاب الحزبى فى مجال الدعوة بدأ فكريا من الأساس، فالسلفيون يخشون فتاوى الأزهر، والأزهريون يضيق صدرهم بفتاوى السلفيين، وعلماء الدعوة السلفية لا يطمئنون إلى علماء الإخوان، وعلماء الإخوان لا يثقون فى فتاوى شيوخ التيار الجهادى، وشيوخ الجهاد لا يثقون فى فتاوى الرقائق الصادرة عن رجال التبليغ والدعوة، وكل هؤلاء يحذرون من فتاوى الفضائيات، وشيوخ الفضائيات يحذرون من الدعاة الجدد الذين يرتدون رابطات العنق ويقبلون بمصافحة النساء علنًا على الهواء مباشرة.
ثم تحول الاستقطاب الفكرى إلى استقطاب تنظيمى، فشيوخ الإخوان تحولوا إلى شيوخ لـ«الحرية والعدالة» وعلماء فى رحاب الرئيس، وشيوخ السلفيين انقسموا بين هيئة الحقوق والإصلاح التى تفتح أبوابها للمرشحين المنتسبين للأحزاب الإسلامية وتغلقها فى وجه المرشحين المدنيين، وكأنها تحكم بأن الأحزاب الأخرى لا تعرف الإسلام ولا تنتمى إليه، ثم تحولت هيئة الحقوق والإصلاح إلى ساحة صراع بين السلفيين والإخوان، كل فريق يريد توجيهها إلى حيث يشاء الحزب، أو يرغب رئيس الحزب، ولعل فضيلة الشيخ محمد حسان يكتم، تأدبًا، الكثير من القصص حول ما جرى ويجرى داخل هذه الهيئة.
قل لى أنت: ما الذى انتفعت به الدعوة الإسلامية من هذا الاستقطاب التنظيمى؟ وقل لى أنت أيضا: لمن يتوجه أمثالنا من عوام الناس حين يريدون رأى الشرع فى أمر من أمور الحياة، وليس فى تشريع من شؤون السياسة؟ وكيف يمكن أن نضمن أن ينطق شيخ بالحقيقة فيما لا يمنعه خلق الدعاة من التراشق علنا فى الأمور التنظيمية والحزبية مع نظرائه من الشيوخ، يختلفون معه فى الرأى السياسى أو فى الانتماء السياسى؟
انظر ماذا فعلت السياسة بالدعوة، وانظر إلى التقسيم الحزبى الذى صار يميز شيوخًا أجلاء كنا نحتاجهم لاستبصار أمور الدين والدنيا، فوجدناهم منقسمين فى أمور السياسة، وفى الولاء والبراء من المعارضة المدنية، وفى شؤون الموالسة للسلطان.
لم يعد من بيننا دعاة نحسبهم من «شيوخ الأمة» بل صرنا أمام شيوخ تنظيميين يدورون فى أفلاك أحزابهم أو تياراتهم السياسية إلى الحد الذى تقسو فيه قلوب بعضهم على المختلفين معهم فى الفكر، وينسون دورهم الأساسى كدعاة يخدمون الله بهداية الناس إلى أمور دينهم وشؤون دنياهم دون انحياز لسلطة أو الالتزام بقسم الولاء لتنظيم.
هل يصدم الإخوة فى الله هذا التحول المخيف فى المنطق والفكر والمسار للدعوة الإسلامية؟ هل يلاحظون كيف فرقتهم السياسة بعد أن فرقهم الاختلاف الفقهى والفكرى من قبل؟ هل يرون أنفسهم نموذجًا يقدم الإسلام كما كان عليه فى نسخته المحمدية الأولى، أم يبكون سرًّا على ما آلت إليه الدعوة، وعلى ما لوثت بها السياسة الطريق إلى الله؟
نحن نريد شيوخًا للأمة، يكرهون فقهاء السلطان، ويحبون السلام بين الناس قربًا إلى الله، ولا يحتشدون لرفع السيوف فى وجه إخوة لهم فى الدين والوطن.
أيها الدعاة السياسيون.. أيها الشيوخ التنظيميون.. يا من فرقتهم أهواء السلطة وأطماعها..
حاسبوا أنفسكم.. قبل أن تحاسبوا.
موضوعات متعلقة..
◄خالد صلاح يكتب" كلمة واحدة ": رد من حزب البناء والتنمية
◄خالد صلاح يكتب" كلمة واحدة ": وعود وزير الداخلية
◄خالد صلاح يكتب" كلمة واحدة ": كيف تقبل الجماعة الإسلامية هذا الدور المؤسف؟
مشاركة