لايوجد مراسل صحفى لأى صحيفة أو قناة مصرية، وكل الأخبار عن سد النهضة ترد لنا عبر وكالات أنباء ومصادر غربية، لذلك فأغلب ما ينشر ويقدم للرأى العام متحيز ويفتقر للدقة، فإذا أضفنا الجهل التاريخى للمصريين بدول الجوار، خاصة دول وادى النيل فمن الطبيعى أن يؤيد الرأى العام صيحات الحرب والدعوة لتدمير سد النهضة !! والتى تصدر عن خبراء وسياسيين ينتشرون فى الفضائيات ولا يعرفون شيئا عن العلاقات التاريخية بين مصر وإثيوبيا وكلفة الحرب وتأثيرها البغيض على مصالحنا فى إفريقيا. المدهش أن أغلب الخبراء الاستراتيجيين الداعين لضرب إثيوبيا كانوا من أسبوعين مع إقحام الجيش فى المستنقع السيناوى، أى أن نفس الوجوه تطل علينا من الفضائيات وتكرر نفس الكلام والأفكار البائسة التى تحركها مشاعر وطنية صادقة، لكنها خطيرة وجاهلة ومدمرة، وهنا أعتقد أن العيب فى الميديا التى لا تعرف غير هذه اللائحة من الأسماء والوجوه، ولا تحاول البحث عن الجديد، فهناك ولا شك كسل فى الإعداد والتقديم، وتعود على أسماء بعينها، ورفض للتغيير أو البحث عن خبراء حقيقييين فى مجالات المياه والرى والشؤون الأفريقية، رغم أن لدينا أسماء مرموقه وخبراء دوليين فى هذه المجالات.
هنا يمكن اتهام الميديا بالتقصير واللامهنية والاستسهال فى العمل فضلا عن التسييس، وهى أمراض هيكلية أصابت الميديا المصرية وجعلت من معظمها أبواقا دعائية تنشر الانقسام والجهل والكراهية للآخر، وثقافة القطيع، والأخيرة أصبحت إحدى سمات مناخ تشكيل الرأى العام المنقسم على نفسه، والذى يتعامل مع القضايا الداخلية ومصالح مصر الخارجية على أساس الاستقطاب والانقسام بين القوى المدنية والإسلامية. فى مثل هذا المناخ من الصعب نفى أو إثبات صحة معلومة أو مناقشة رأى عن الآثار السلبية مثلا لسد النهضة الإثيوبى، فكل ما يصدر عن الرئاسة والميديا المؤيدة للرئيس وجماعته لا يلقى قبولا أو تصديقا من المعارضة وجمهورها الغاضب بسبب ضعف الدولة وتدهور الخدمات، وفى المقابل لن يتقبل المؤيدون للرئيس وجماعته الأخبار أو الآراء التى تصدر عن الميديا المتهمة بمعارضة الرئيس حتى لو استضافت خبراء مرموقين فى مجال السدود والمياه. هكذا تضيع الحقائق وتسود التأويلات فضلا عن التوظيف السياسى ويتعمق الانقسام فى المجتمع، والذى لا يمكن معه الدفاع عن المصالح العليا للوطن، لأنه من الصعب الدفاع عن مصالح الوطن العيا فى ظل مناخ الصراع والانقسام فى المجتمع والدولة، وأعتقد أن هذه الحاله شجعت إثيوبيا على المضى قدما فى سد النهضة.
الميديا - أو على الأقل بعض الأصوات فيها - لم تحاول الانحياز للمصلحة العليا للوطن وتناقش أزمة سد النهضة بعيدا عن أحكام المعارضة أو الحكم الإخوانى، وتضغط على الطرفين من أجل تأجيل أو تجميد صراعات الداخل والتعاون والعمل المشترك لمواجهة خطر أزمة المياة، بل إن الميديا تورطت فى الاستقطاب والتسييس وأنتجت خطابين، الأول: يرضى ويدغدغ مشاعر المعارضة نكاية فى الرئيس وجماعته، والثانى: خطاب إخوانى يهون من آثار سد النهضة ويهاجم المعارضة ويتهمها باستغلال أزمة المياه لصالحها على حساب المصلحة العليا لمصر. والمطلوب خطاب إعلامى ثالث، نقدى وشجاع، يعتمد على الحقائق والمعلومات الدقيقية، وآراء خبراء حقيقيين فى الموضوع، والأهم يطالب الرئيس وجماعته باستعارة تقاليد الدول الديمقراطية فى تعاون الحكم والمعارضة لمواجهة المخاطر الكبرى التى تهدد الوطن، وتشكيل فرق مشتركة من المتخصصين لإدارة الأزمة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة