كانت الهتافات تقاطع الرئيس مرسى فى خطابه أمام مؤتمر الجمعيات الأهلية الأسبوع الماضى، تعالت حناجر الحاضرين هتافا بالتأييد، يذكرك اللقاء بنفس اللقاءات التى كان يعقدها الرئيس مبارك، فى الحالتين هتافات للتأييد لا تنتهى، الأصل فى القصة معروف، كانت لقاءات مبارك يشرف عليها أجهزة أمنية تعد كل شىء من الألف إلى الياء، تحدد الذين سيحضرون، والذين سيهتفون، وشعارات الهتافات، لم تكن تترك شيئا للصدفة.
كان الهدف هو بعث رسالة قوية إلى الداخل والخارج بأن شعبية مبارك لا تتزعزع، كان الحاضرون يتقاضون المعلوم فى نهاية الحفل، تذكروا مثلا لقاءات الرئيس السابق فى مناسبة عيد العمال، كانت أحوال العمال فى انحدار، ومع ذلك كنت ترى زفة العريس فى لقاء مبارك بالعمال، كانت الجوقة تهتف بحياة مبارك زاعمة أن مبارك نصير العمال الأول، بينما كانت القواعد العمالية تئن وتشكو.
تلك عينة مما يتذكره المصريون عن النفاق للحاكم، ثار المصريون فى 25 يناير على كل ذلك، لكن ما ثاروا ضده يعود مرة أخرى، والشاهد ما حدث فى مؤتمر الجمعيات الأهلية، واعتمد هنا على شهادة واحد من الذين حضروا هذا اللقاء وهو الأستاذ سليمان القلشى الذى سجل شهادته عما جرى فى هذا اليوم، فى الزميلة جريدة التحرير يوم الجمعة الماضى.
يقول القلشى نصا: بنظرة سريعة على المؤتمر يتلاحظ أنه إخوانى بنسبة لا تقل عن %90، فالجمعيات المشاركة تابعة للتيار الدينى، وتلاحظ مثلا أن القائمين على الإشراف على وسائل النقل بين المدينة التعليمية فى أكتوبر حيث يقيم المشاركون وبين قاعة المؤتمرات حيث مكان المؤتمر هم الإخوان، وعندما ترى الأتوبيسات التى كانت تقل المشاركين فهى كانت تابعة لشركة إسلامية وهى مجموعة العويفى «زهرة الزرقاء»، والقائمون على توزيع المأكولات على المشاركين بعد تركهم عشر ساعات فى اليوم الأول دون طعام هم إخوان، وكانوا دائما يتغنون ذاهبين عائدين: «ربنا يخلى رئيسنا»، وتلاحظ أيضا أن الذين استقبلوا مرسى عند دخوله قاعة المؤتمرات هم الإخوان، وتلاحظ أيضا مع أماكن العرض المخصصة داخل الصالة كانت كلها تشع منها روح الإخوان بجلاليبهم البيضاء وبلحاهم السوداء، حيث ترك الجميع أماكن عرضهم وذهبوا ليسلموا ويستقبلوا الزعيم مرسى بالزغاريد والهتافات: «عاش مرسى.. عاش مرسى».
يطرح سليمان القلشى فى شهادته نفس ما طرحته فى مقدمة مقالى قائلا: «هنا يبرز السؤال عن المقارنة بين تلك المؤتمرات فى عهد مبارك وعهد مرسى»، وبالرغم مما قاله بأن التنظيم فى عهد مبارك كان أفضل مئات المرات، إلا أن هذا يتعلق بالشكل، أما من حيث المضمون، فنحن أمام تطابق، فجوقة مبارك كانت تجتمع للهتاف بحياة الرئيس، وجوقة مرسى اجتمعت للهتاف بحياة الرئيس، فى عهد مبارك كانت وسائل نقل المشاركين وإعاشتهم تخضع لشركات تختارها أجهزة الأمن، وفى عهد مرسى، حلت شركات الإخوان، وفى الحالتين جمهرة وتجمع وتصفيق وحناجر.
تجمع أمام الرئيس «الأهل والعشيرة»، كما كانوا يجتمعون أمام مبارك، ولكن دون تسمية «الأهل والعشيرة»، فأين الثورة التى يتحدث عنها الرئيس، وكيف نثق بذلك أن قانون الجمعيات الأهلية الذى أعلن الرئيس تقديمه إلى مجلس الشورى لا يفيد إلا أهله وعشيرته؟