إبراهيم عبد المجيد

الابتعاد عن الوطن.. هل يمكن؟

الجمعة، 21 يونيو 2013 06:59 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حكاية غريبة تحدث معى كلما ابتعدت عن الوطن بعد ثورة يناير 2011، باختصار لا أستمتع كثيرا بالابتعاد. من قبل ولسنوات عديدة كنت أفرح بكل سفر، وأنغمس فيما حولى فى البلاد الغريبة التى لم تكن غريبة بالنسبة لى أبدا. أذكر يوم سافرت إلى فرنسا أول مرة عام 1992 أن وجدت قدمىّ تتحركان وتلحان علىّ فى المشى فى شوارع باريس وميادينها الكبرى، فى السان ميشيل والسان جيرمان والريفولى، وأمام السوربون والنوتردام، وأمام المقاهى وتماثيل الكتاب والمفكرين والفنانين، وفى الشوارع التى تحمل أسماء العظماء، ومحطات المترو وكل شىء. وجدت نفسى أتذكر كل العظماء، فرنسيين ومصريين تعلموا هناك، وكل الكتب التى قرأتها أو أكثرها، وكل الروايات وكل الأفلام التى شاهدتها، وهكذا فى كل مكان، وفى كل مدينة فرنسية سافرت إليها بعد ذلك وعبر السنين.. ليون، وبواتييه، ولاروشيل، وتولوز، وبوردو، وآكس آن بروفانس، وغيرها، والأمر نفسه حدث فى روسيا أو الاتحاد السوفيتى زمان، وفى أمريكا إلى حد ما، رغم الأفلام الأمريكية الكثيرة جدا طبعا التى شاهدتها، ليس فى أمريكا حميمية أوروبا، ربما هو الاتساع وسرعة الإيقاع، فى إسبانيا أيضاً حميمية فرنسا، خاصة حين تعرف أنك تقف على أرض عاش عليها العرب سبعة قرون، ولن أدخل فى المفاضلة بين الدول، ولا فى التفاصيل، فلقد كتبت عن ذلك كله من قبل، باختصار كنت أجافى النوم ليل نهار، وأشرب من متع الثقافة والفنون والحياة. بعد ثورة يناير سافرت إلى أكثر من بلد عربى وأجنبى، لكن الأمر صار مختلفا، ولا أنسى حين كنت فى فيينا منذ شهور أدور فى متاحفها، وأفكر فى مصر التى يريد فيها من يسمون أنفسهم بالإسلاميين هدم الهرم، ورغم ذلك لا أعتذر كثيرا عن السفر، أقنع نفسى بشىء من الراحة لكنها لا تحدث، والآن بالذات، وآخر أسفارى كانت هذا الأسبوع إلى المغرب، ورغم أننى طفت فى مكانين أحبهما، الرباط ومراكش، وزرت بلدا صغيرا جميلا هو بنى ملال لأساهم فى احتفال كبير بالكاتبة المغربية الكبيرة ربيعة ريحان، يقيمه اتحاد الكتاب، ويديره الكاتب والروائى عبدالكريم جاويطى من بنى ملال، بالاشتراك مع المحافظة، ورغم كل ما أحاطنى به أصدقائى هناك من كل الأجيال من حب، فإننى هذه المرة كنت أكثر حنينا إلى العودة. كان قد مضى أسبوع على اعتصام المثقفين، سافرت فى اليوم التالى لهجوم ميليشيا الإخوان على المعتصمين، وما جرى من تصد لهم من الشباب الثائر الذى تداعى إلى الموقف عبر الـ«فيس بوك» و«تويتر»، ولم أجد الفرصة هناك للمتابعة إلا قليلا، لكثرة الأعمال، وكثرة الحفاوة، وكثرة الانتقال بين البلاد، قطعنا ألفى كيلومتر تقريبا فى خمسة أيام، وكان معى الناقد الدكتور حسين حمودة. شغلتنى مصر أكثر من أى وقت، لأن الأسئلة خارج الندوات كانت كلها عما سيحدث يوم 30 يونيو، هل حقا سينتهى عصر الإخوان؟، كانت الإجابة دائما بنعم، لكن للأسف فوق دم. وكنت أتابع التهديدات التى تقال من الجهاديين، ومن حزب البناء والتنمية، ومن الإخوان وشيوخ المساجد وغيرهم، وأدرك كم فيها من شر مضمر من نوع «لن نسمح بالعنف وندعو إلى السلم، لكن لن نتوقف حين يكون هناك عنف»، نفس كلام وزارة الداخلية والعسكر من قبل، والجميع يعرف أن الشباب الثائر لا يلجأ للعنف، ويعرف من يتم دفعه بين الشباب بالمولوتوف ليكون ذلك ذريعة للتدخل، تماما كما كان يحدث أيام المجلس العسكرى السابق. كل التصريحات والمؤتمرات التى أقامها هؤلاء للأسف تهديد مبطن للشباب الذى ابتدع حركة تمرد، وراح ينشرها بين البلاد، ودعا إلى أن يكون يوم 30 يونيو يوم البداية، البداية وليست النهاية من فضلك، البداية إلى النهاية. استثنيت من عقلى ما يقوله بعض خطباء المساجد من أن الخروج على الحاكم حرام، فهذا شأن الكثير منهم على طول التاريخ لمصلحة ومنفعة خائبة، ولم يكن الإخوان المسلمون بعيدين عن ذلك، فهم صنيعة الإنجليز بقدر ما هم صنيعة الفكر، وهم المهادنون مع الإنجليز دائما حتى بعد ثورة يوليو، وهم المهادنون مع الملك فاروق، وفؤاد من قبله، وهم أيضاً المهادنون أحيانا مع حزب الوفد حين كان يصل إلى السلطة، وهم الذين تفاوضوا سرا مع السفير البريطانى فى مصر بعد ثورة يوليو للفوز بالحكم، وهم الذين تأخروا فى النزول مع الثوار يوم 25 يناير، ومثلهم فعل السلفيون، وخطباء المساجد من النوع نفسه، وكان الشعار حرمة الخروج على الحاكم، حتى إذا ظهرت للثورة بوادر النجاح أسرعوا لقطف الثمرة، متعاونين مع المجلس العسكرى ومع أمريكا، ورغم ذلك أنتظر من رئيس الجمهورية أن يقدم أى شىء غير الكلام، ليجعل الإنسان العادى يقول إن هناك ما يمكن الدفاع عنه، فلم يقدم إلا الكلام والتهديد أحيانا، حتى حركة المحافظين بدا للجميع أنها خطوة جديدة فى التمكين للإخوان من كل مفاصل الدولة، وفى الاستعداد لإجهاض يوم 30 يونيو. المقاومة والمعارضة اشتعلتا للمحافظين فى محافظاتهم، ووزير السياحة استقال احتجاجا على تعيين محافظ من الجهاديين للأقصر، ولا ردود أفعال إيجابية، رئيس الوزراء- فتح الله عليه- قال لوزير السياحة أن يستمر فى عمله، طبعا لأنه لم تعد هناك الأقصر الآن، لقد خرجت للأسف الشديد من المزارات السياحية فى العالم وكانت الأولى، ورئيس الجمهورية الذى يفعل ذلك كله هكذا يرسل الرسائل، إننى لا أهتم بالمعارضة، ولا أهتم بتمرد، ولا بأحد فى مصر غير أهلى وعشيرتى وتعليمات جماعتى وحزبها، هل هناك تفسير غير ذلك؟.. والأهم أنه فى غمرة كل هذه الصراعات قام بقطع العلاقات مع سوريا. علمت طبعا بالخبر وأنا فى الخارج، قبلها بيوم كان أوباما قد صرح بأنه ثبت لدى الولايات المتحدة استخدام النظام السورى الغازات السامة، وبدا للجميع أن ذلك يعنى تدخلا أمريكيا قريبا، ومن ثم كان قطع العلاقات مع سوريا ورقة يريد بها النظام الحاكم فى مصر تأييدا أمريكا أكبر فى مواجهة ما يحدث، وما قد يحدث مع المعارضة فى مصر. تذكرت يوم أن تظاهر شباب الثورة أمام السفارة السورية أكثر من مرة فى عهد الدكتور مرسى، فى بدايته، وكيف لم يستجب لذلك وقتها، بل ترك البوليس يفض المظاهرات بقوة، ما الذى تغير؟ أينعت الثمرة السورية وحان قطافها؟، طبعا، خاصة للجهاديين وللإخوان المسلمين، لكن الأهم هو ما قررته أمريكا، وتقديم أقصى ما يمكن من الدعم لها، حتى يبقى الإخوان المسلمون فى الحكم فى مصر.








مشاركة

التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرى

مصرُ !!..... لعاشقاتها !!.....وعشاقها !!...........كالماء للسمك !!.........وكالهواء للطيور

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة