الصدفة وحدها قادتنى إلى لقائه ظهر أمس السبت 22 يونيو 2013، فقد وجدته فجـأة أمامى يجلس فى إحدى (كافيهات) مول الإمارات بدبى، وهو أحد أكبر المراكز التجارية فى العالم. إنه وزير مهم جدًا جدًا فى نظام مبارك الساقط، وظل أحد أركان هذا النظام حتى قمنا نحن المصريين بثورة عارمة أطاحت بمبارك ورجاله، وكان نصيب صاحبنا ليس الإبعاد عن الوزارة والمنصب الكبير فحسب، بل الإزاحة عن المجد والشهرة والنفوذ الذى حظى به طوال ربع قرن تقريبًا.
كنت أتجول وأسرتى فى ذلك المول، فأنا أقيم وأعمل بدبى منذ 15 عامًا (لم أتغيب عن العودة إلى بيتى بالقاهرة أكثر من أربعة أشهر متصلة طوال كل هذه الأعوام)، وحين رأيت الوزير السابق هكذا بلا حول ولا قوة، محرومًا من الأبهة والأضواء تذكرت الأيام الخوالى عندما كان ملء السمع والبصر، آنذاك كنت، مع زملائى الصحفيين، ننتقد بشدة أداءه فى الوزارة ونحاول كشف بؤر الفساد فى الهيئات المختلفة التابعة لوزارته. كان ذلك فى تسعينيات القرن الماضى فى صحيفة العربى، لكن لا تحقيقاتنا الساخنة التى فضحت الخلل فى الوزارة، ولا الكتابات المحترمة التى أبانت هزال مشروعاته الصاخبة استطاعت أن تزيحه عن منصبه المرموق، وظل مبارك متشبثاً به حتى سقطا معًا تحت ضغط جماهيرى عارم يحلم بالحرية والعدالة والكرامة، ولكن الكل يعرف كيف سرق الإخوان الثورة من الشعب، وتلك قصة أخرى.
حين رأيت الوزير السابق اتقدت غريزتى الصحفية، فتحدثت معه نحو 50 دقيقة، لم يجلس ولم أجلس، وظلت أسئلتى تنهمر على عقله ووجدانه ونحن واقفان، سألته فى كل شىء تقريبًا، وأجاب عن أسئلتى جميعها، اتهمته، ودافع، حمّلته ومبارك بؤس الحال الذى وصلنا إليه، فاعترف نسبيًا بأن نظام مبارك يتحملل جزءًا من المسئولية. طلبت منه أن أنشر ما جرى بيننا، فرجانى ألا أفعل، فهى مجرد (دردشة) لا أكثر، احترمت رغبته، لذا سأكتفى من كل ما قال، وهو كثير ومهم، بعبارة واحدة تكشف أمورًا كثيرة، لا على مستوى ما حدث منذ 25 يناير 2011 وحتى الآن، بل ما قبلها أيضاً، والمنطق الذى كان يتبعه حسنى مبارك فى حكم الشعب المصرى.
قال لى الوزير السابق بثقة عجيبة: (اكتبوا وقولوا: إن أوباما.. إخوانى!).
فلما طلبت توضيح ما قال فسّر لى كلامه: (ألم يدعم ويشجع الإخوان المسلمين على الوصول السلطة؟) وأضاف مؤكدًا: (ألم تلتق السفيرة الأمريكية بالقاهرة أمس خيرت الشاطر نائب رئيس الجماعة، وهو ليس فى منصب رسمى؟).
طال الحوار، وتشعبت الأسئلة، ولما تركته تأملت ما قاله بأن أوباما إخوانى، وتأكد لى أن نظام مبارك كله واقع تحت وهم أن الأمريكان باعوه لصالح الإخوان، مثلما يظن الرئيس مرسى الآن أن الثورة القادمة فى 30 يونيو من صنع فلول النظام القديم!
وهكذا لا مكان لنا نحن المصريين عند الاثنين، فلا الوزير السابق يريد أن يعترف بأن الشعب المصرى هو الذى ثار وأطاح مبارك ورجاله بعد أن كابد مرارات لا حصر لها فى ظل نظام أفقر وأذل الناس بامتداد 30 سنة، ولا مرسى وإخوانه ومناصروه يبغون الاعتراف بأن الشعب المصرى قد فاض به الكيل من أفعالهم بعد أن سرقوا منه الثورة، وتركوه غارقاً فى بحر الظلم والفقر والاستبداد والتخلف والقبح.
لذا فإن ملايين المصريين الذين وقعوا على استمارة تمرد بسحب الثقة من الرئيس، هم الذين سيخرجون فى 30 يونيو الجارى بشكل سلمى معلنين رفضهم القاطع للاثنين: لنظام مرسى وإخوانه، ولبقايا النظام القديم وقاداته، رافعين راية الحلم فى مجتمع آمن وعادل وجميل. وليس عندى ذرة شك واحدة فى أن المستقبل للشعب الكادح والطامح للحرية والكرامة.