عجيبة أخرى تنضم إلى عجائب الدنيا فى مصر، وعجائب مصر فى الدنيا، ولا نقصد الهرم وأبوالهول، وإنما فى علم التحنيط، الذى كانت هناك مزاعم أن أحداً لم يتوصل لأسراره، بينما واقع الحال يؤكد أن نظامنا السياسى نجح فى اكتشاف أسرار التحنيط، التى تحفظ شكل النظام السياسى دون مضمونه، مثلما تحفظ المومياء من دون روحها. لدينا مجلس للشورى باطل قانونا، لكنه ليس باطلا تماماً، ولدينا دستور، جمعيته التأسيسية باطلة. ولدينا نظام سياسى يصعب تمييزه، ومرحلة انتقالية تتوه فيها الفواصل، ولا تبدو فيها رأس من قدمين.
وخير مثال على ذلك حكم الدستورية العليا، الذى أعلن أن قانون مجلس الشورى الذى انتخب على أساسه باطل، لكن المجلس نفسه بالرغم من بطلانه يستمر فى عمله التشريعى لحين انتخاب مجلس للنواب. كان حكم الدستورية ببطلان مجلس الشعب قراراً بحله، لكنه بالنسبة للشورى يقرر بطلانه من دون أن يحله، وذلك لأن من وضعوا الدستور كانوا يتوقعون ويعرفون أن مجلس الشورى باطل قانونا، ولهذا حصنوا وجوده. لنجد أنفسنا أمام واقع حالة زواج وقع فيها الطلاق بالثلاثة ومع هذا يواصل الزوجان حياتهما بشكل طبيعى بصرف النظر عن النتائج القانونية. نسبة للجمعية التأسيسية التى وضعت الدستور وتم الاستفتاء عليه، وصدر حكم ببطلان تشكيلها، نظرياً وقانونياً ما بنى على باطل فهو باطل، لكن هذا لن يحدث، لأن الدستور محصن بالاستفتاء.
ومن هنا تأتى حالة التحنيط السياسى، حيث يستمر مجلس الشورى بالرغم من بطلانه، ليواصل التشريعات وإصدار القوانين، التى هى باطلة والكل يعرف أنها باطلة، ويستمر الدستور الذى أنتجته جمعية باطلة. وكل هذا من أجل المواءمة السياسية وحتى لا يقال إن المحكمة الدستورية تمارس التعقيد. ومن أجل المواءمة السياسية يستمر مجلس الشورى الباطل فى إصدار تشريعات «فى الحرام». من أجل أن تستمر المسيرة، وهو ما يجعلنا نعيش نظاماً سياسياً يصعب على الفهم العادى أو غير العادى، ويستعصى على التحليل والتفسير، ويتحدى قدرات النظريات السياسية والاجتماعية. لهذا جاءت ردود أفعال كل من فى السلطة، لتبرر هذا الواقع، وتعتبر حكم الدستورية كأن لم يكن، أو أنه لم يأت بجديد، يثير أى نوع من القلق لدى كل هذه الأطراف المختلفة، التى تهتم فقط بالاستمرار فى السلطة، وطالما ضمنت الكراسى، واطمأنت على المواقع، فليس هناك ما يثير القلق.
نحن أمام نظام فى الشكل يضم سلطات مختلفة، لكنه فى الواقع يختصر هذه السلطات فى واحدة «السلطة» سواء كانت الرئاسة أو مجلس الشورى أو الحكومة. حتى لو كان النظام يعجز عن تقديم أى تفسير لما يحدث، أو توقع ما يمكن أن تتمخض عنه التحولات السياسية والقانونية أو مصير التشريعات والقوانين.
وبدلاً من المرحلة الانتقالية أصبحنا نعيش نظاماً سياسياً لا هو جمهورى ولا ملكى، لا برلمانى ولا رئاسى، خليط عجيب من الأنظمة السياسية، توجد بجوار بعضها البعض، يصعب فصل عناصرها أو الوصول إلى أصولها.
شكلاً لدينا مجلس للشورى يمارس التشريع بالرغم من بطلانه، يفعل ذلك بضمان دستور جمعيته باطلة. ولا نعرف مصير التشريعات القادمة، ولا الفرق بين السلطات، لأننا نعيش أحد عجائب الدنيا الدستورية والتشريعية والسياسية.