لا يجوز ألا أشارك فى مظاهرات 30 يونيه، بعد كل هذا التعقيد الذى طرأ على الساحة السياسية، وبعد كل هذا الكم من الشائعات والتحفز المنتشر فى الشارع، وبعد كل هذا الانحطاط السياسى الذى تجلى فى تهديد الرئيس مرسى للشعب بخطابه الأخير، وهو الانحطاط الذى تجاوزه الشعب تماماً ولم يعد يخشاه.
وأدعو كل مخلص ينحاز للثورة والفقراء أن يشارك فى المظاهرات، لكى لا يترك الفرصة لأن يكون الصراع بين جماعة الإخوان وبين الفلول هو المحدد لمستقبل السياسة فى مصر، وإنما هناك الثورة التى لم تمت، والثوار الذين لا يتهاونون فى حق بلادهم وشعبهم.
وكنت انتقدت حالة التظاهر والتظاهر المضاد التى سيطرت على مجموعات الثوار والأحزاب المدنية من ناحية، وجماعة الإخوان والإسلاميين من ناحية أخرى الشهور الأخيرة، ووصفتها فى مقال سابق بأنها "شجار ديوك"، لكننى سأشارك فى مظاهرات 30 يونيه لأنها خرجت من نطاق "شجار الديوك" بين النشطاء و"الإخوان"، إلى المواجهة بين قطاعات شعبية مهمة وبين الإسلاميين المؤيدين للرئيس محمد مرسى.
سأشارك لأن موظفاً بمحلات التوحيد والنور كان من أشد مؤيدى مرسى و"الإخوان" قال لى إنه قرر التظاهر فى 30 يونيه لشعوره بأن الإسلاميين خدعوه، ولأن صاحب عربة فول فى وسط القاهرة كان ينتقد أى مظاهرة من أى طرف قال: "المشكلة مش بس إن مرسى ما عملش حاجة طول السنة اللى حكم فيها، لكن المشكلة الأكبر إنه ما بيقولش هايعمل إيه فى التلات سنين اللى جايين، يا ريت يقدروا يشيلوا مرسى فى 30 يونيه لكن الإخوان مش هايسيبوها إلا بالدم"، ولأن سائق ميكروباص قال: "معقولة يعنى علشان هما مختلفين معانا فى الدين نقوم نقتلهم"، السائق يقصد الشيعة الذين قتلوا بالجيزة، مع ملاحظة أنه لا يعى الفرق بين الاختلاف فى المذهب والاختلاف فى الدين، لكنه بمقولته هذه لخص أساساً مهماً من أسس الدولة المدنية، وأوضح أن بلداً يحدث فيه هذه الجرائم هو بلد يعانى من اختلال عميق يجب إصلاحه.
سأشارك كى أمنع رفع شعارات الفلول بالمظاهرات، فكما خرجنا فى 25 يناير واضطر "الإخوان" عندما بدأوا مشاركتنا فى 28 يناير على اتخاذ قرار بعدم رفع شعارات الجماعة، كذلك فإننا لن نسمح للفلول برفع شعاراتهم أو إفساد المظاهرات.
سأشارك لأن النظام الحاكم والطبقة المستفيدة من سياساته، واللذين فشلا فى دحر الثورة قررا الالتفاف عليها عن طريق الاستعانة بالإسلاميين، لتمييع الثورة، وامتصاص زخمها وتهدئة اندفاعها وكبح تدفقها، ووضعها فى الثلاجة، ونشر حالة من البلادة واللافعل واللاأمل بين الثوار، لاستكمال سياسة تمكين الجماعة من كل مفاصل البلاد، لنجد أنفسنا أمام حزب وطنى "بذقن"، فإن لم نستطع إقالة مرسى الآن، فربما لن يستطيع معارضته أحد بعد أربع سنوات.
سأشارك فى مظاهرات 30 يونيه ضد جماعة الإخوان، لأنها انشغلت بالتظاهر فى الميادين والظهور فى الإعلام عن دراسة أحوال البلاد التى يحكمونها وبحث طرق حلها، وانشغلت بقتل وسحل وسجن الثوار عن تصفية نظام مبارك، وانشغلت بتمكين نفسها من مفاصل البلاد، كى لا يستطيع الشعب إنزالها من كرسى الحكم، بعد إحكام سيطرتها على الإعلام والقضاء والجيش والأحزاب، فلا يمكن إسقاطها بالانتخابات ولا غيرها. إن الجماعة التى لم نر لها إنجازاً طوال عام سوى تمكين نفسها، بل ولم نر لها محاولة للإنجاز سوى إعلان دستورى حاولت به بناء سلطة استبدادية، هى جماعة لا يجب أن ننتظر منها سوى إعادة محاولة بناء الاستبداد، أى مزيد من إهدار الدماء ومزيد من الفقر والمعاناة.
سأشارك لأننا إن لم نستطع إسقاط مرسى الآن، فإنه بعد ثلاث سنوات سيكون قضى على كل معارضة بالترهيب والترغيب، وساعتها سنكون أمام ديكتاتور.
سأشارك لإعلان رفضى لكل من تفاوض مع الأمريكان والأوربيين حول الثورة ونظام الحكم فى مصر، سواء كان نظام مرسى أو رموز جبهة الإنقاذ التى لم تعد مقبولة من شباب الثوار، ولكى أعلن أيضاً رفضى لإعادة حكم المجلس العسكرى للحكم بديلاً عن "الإخوان"، والتأكيد على أن مصير البلاد لن يقرره سوى فقرائها.
سأشارك لأؤكد أن الديمقراطية ليست فقط فى اللجوء إلى صندوق الانتخابات كل أربع سنوات، وأن مصطلح "انتخابات مبكرة" مصطلح ديمقراطى أيضاً، وأن الأكثر ديمقراطية حركة الثوار السلميين فى الشارع، فهى التى أسقطت مبارك، ولم تسقطه الصناديق والقوانين، وهى التى تستطيع إسقاط مرسى.
سأشارك لأؤكد أن انتخاب رئيس ليس معناه "تأجير" البلاد له أربع سنوات، وإنما معناه أن يدير البلاد وفقاً للأهداف التى انتخبه الناس من أجلها، وأن الرئيس إذا خالف ذلك، فإنه من السخف إهدار سنوات أخرى، خاصة وإذا كان هذا الرئيس جاء فى انتخابات عقب ثورة شعبية، ففى أوقات الثورات يكون اليوم بألف يوم، لأن الناس لم تثر إلا بعد أن يفيض بها الكيل، ومن يفيض به الكيل لا يمكن خداعه بالوعود الزائفة وألاعيب الصندوق والإجراءات والقوانين والدساتير المهلهلة.