«بله واشرب ميته»، كانت المقولة الشهيرة التى يرد بها البعض على البعض الآخر عند حصوله على حكم قضائى، يقولها القادر الغنى للضعيف الفقير، وتقولها الأنظمة المتسلطة للمواطن. وكثيراً ما كان البعض ينصح صاحب الحكم برشوة كاتب جلسة ليحصل على حكم، أو يرشو من ينفذ ليتحرك معه للتنفيذ، فإذا رفض يقول له «طيب بله واشرب ميته».
والفرق بين الدولة الحديثة والقمعية فى تنفيذ الحكم القضائى على الكبير قبل الصغير، وفى الدولة «التافهة» يبل المواطن الأحكام ويشرب ميتها، أو يدفع المعلوم، أما نحن فى مصر فقد توصلنا لاختراعات قانونية ودستورية، تتفوق على كل الحيل والألاعيب، وتجعل من السهل إصدار حكم قضائى، ومن المستحيل تنفيذه، لأسباب سياسية أو لعوامل «المواءمة» التى تجمع بين الطناش والتلاعب، وعدم مناسبة التوقيت. والنتيجة صدور حكم «كأنه» حكم قضائى، لكنه مجرد حبر على ورق يثبت حالة ويرضى كل الأطراف، ولا يؤدى لنتائج.
انظر لحكم المحكمة الدستورية، ببطلان مجلس الشورى واستمراره، وبطلات التأسيسية مع الإبقاء على دستورها، وهو حكم يبدو مرضياً لجماعة الإخوان، لأنه لم يقترب من الأمر الواقع فى الشورى، ثم إنه يبقى على الدستور الذى يتضح كل يوم كيف كان جريمة كاملة الأركان، وأنه ملىء بالمخالفات والمواد المطاطة والفجة التى تجعلها فعلاً دستورياً فاضحا فى الطريق العام.
الجماعة «مبسوطين» من الحكم، ولا ينظرون لكونه يكشف عن بطلان وحياة فى الحرام، ولسان حالهم يقول: «بلوه واشربوا ميته» لكن حتى هذا قد يصبح صعباً فى ظل أزمة مياه متوقعة.
هم لا يلتفتون إلى استمرار هذه الحالة الباطلة، التى تجعلهم يمارسون أفعالاً منافية للقانون، فقط حتى لا يحدث فراغ دستورى وقانونى، مع أنهم فى الحقيقة يعيشون هذا الفراغ بكل استمتاع. ويواصلون إنتاج تشريعات وقوانين مخالفة بحكم دستورهم، عجزوا عن إنتاج قانون محترم للانتخابات والممارسة السياسية، وكل إفرازاتهم القانونية والتشريعية مخالفة حتى لدستورهم الذى فعلوه بليل. وبدلا من البحث عن طريقة لإصلاح الخطأ، إذا بهم يسعون لإلغاء المحكمة التى تنبههم لأخطائهم وجرائمهم، وهم مثل رجل يخالف القانون فبدلا من الاعتراف يسعى لمصادرة القانون نفسه.
كل هذا يجعل من الصعب على الشخص الطبيعى أن يشعر بسعادة وهناء، فى ظل هذه الحالة العرفية المنافية للآداب التشريعية، والقواعد القانونية، ولسان حالهم يرد «بلوه واشربوا ميته». وهو سلوك يرسخ عدم احترام القانون والدستور، ويعيدنا لحالة يختلط فيها الحابل بالنابل، والتشريعى بالباطل، ويشجع الخارجين على القانون، على مزيد من احتقار القانون، وهو ما نراه فى عشرات الأحكام والقرارات بإزالة تعديات وسرقة أراض، وفوضى مرور، والفاعل معلوم يحتقر القانون الذى يحتقره رب البيت والشورى والرئاسة.
وعلى المقيمين داخلها «السلطة» أن يعرفوا أن الفرح باستمرار «عيشتهم» فى الحرام الدستورى والتشريعى، سوف ينتج قوانين بنت حرام، وتشريعات لقيطة، تجعل مشروعيتهم نفسها مشكوكا فيها، وهو أمر لا يشغل بالهم، ولا يقلق منامهم، طالما يجلسون فى مقاعد السلطة، «يدلدلون» أرجلهم، ويلعبون الاستغماية العرفية. ولسان حالهم يقول للقانون «بلوه واشربوا ميته»، فهل يتبقى ما يكفى للبلل قبل الشرب؟