هانى عياد

عن الحوار والمتحاورين فى أزمة السد: شكرا للسيدة الشرقاوى

الجمعة، 07 يونيو 2013 11:31 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا أعرف ما هو سر هذه الغضبة من السيدة باكينام الشرقاوى لمجرد أنها «نسيت» إبلاغ المشاركين فى جلسة الحوار الوطنى على «مصطبة» الرئيس أن حوارهم منقول على الهواء مباشرة؟ بالتأكيد السيدة الشرقاوى لم تقصد ذلك، وقد سبق لها أن نسيت وظيفتها، وادعت أمام محفل دولى تابع للأمم المتحدة أنها نائب رئيس وزراء، وبما يرجح أنها تحتاج لعلاج من مرض النسيان، وليس على المريض حرج، بدلا من هذه الثورة عليها.
وحيث إن الأمر كذلك، وبما إن الجماعة الحاكمة تنصح دائما بضرورة النظر إلى نصف الكوب الملآن، فنرى فى انقطاع الكهرباء مثلا، فرصة لتعزيز لصلة الرحم، ومناسبة لتذكر عذاب القبر (وكأن الناس انتخبت مرسى ليدفنها بالحيا)، فأعتقد أنه علينا أن ننظر إلى نصف الكوب الملآن أيضا فيما فعلته السيدة الشرقاوى، من بث حوار المصطبة على الهواء مباشرة.
أول ما يمكن أن نلحظه فى نصف الكوب الملآن الذى بثته لنا السيدة الشرقاوى على الهواء مباشرة أن جميع الحاضرين، باستثناءات قليلة ومحدودة، ينتمون إلى الأهل والعشيرة، انتماء بالدم مثل ذراعها السياسة (الحرية والعدالة) وذراعها السرية (الوسط) فضلا عن أذرعها الفقهيه (السلفيون بأنواعهم وألوانهم المتعددة)، أو انتماء بالتطلع والرغبة (عبده مشتاق) وهم كثر.
ثم إن بث الحوار على الهواء مباشرة كشف لنا من حيث لا يريد أحد المستوى السياسى لمن يحكمون مصر أو يتطلعون إلى نصيب فى الحكم بجوار «الجماعة»، فهذا المهندس أبو العلا ماضى قائد جماعة الوسط، الذراع السرى لجماعة الإخوان، يقترح «ننشر شائعات أن مصر سوف تضرب السد» وبما يمكن أن يؤدى إلى إثارة فزع أثيوبيا وإجبارها عن إلغاء مشروع بناء السد. ويتفق معه فى الفكرة، مع بعض التعديلات، الدكتور أيمن نور، رجل الحوارات المزمن، الذى لا يكتفى بحضور أى حوار وكل حوار، بل لديه قدرة على التحضير لها وإدارتها فى منزله، مثلما فعل فى حوار موسى-الشاطر، اللذين استضافهما على العشاء، وليس مجرد شاى بالياسمين كما هو حال حوارات د. مرسى، حيث يرى الدكتور نور أن ننشر شائعات أن مصر اشترت طائرات حديثة، استعدادا لضرب السد (تطويرا لفكرة ماضى).
وإذا ما تخيلنا هذه الأفكار اللوذعية وقد وجدت طريقها إلى التنفيذ، فسوف تجد بائع الصحف الذى تشترى منه جريدتك اليومية يبادرك بالسؤال «هو صحيح مصر هتضرب السد يا باشا؟»، وفى الطريق إلى عملك سوف تسمع ركاب المترو، أو الأتوبيس حسب نوعية وسيلة المواصلات التى تستخدمها، يتبادلون حوارا جادا، وربما محتدما أيضا، عن عدد ونوع الطائرات التى اشترتها مصر، ومتى وكيف سوف نوجه الضربة القاضية لسد أثيوبيا، وعند عودتك تفاجئك بائعة الجرجير على ناصية شارعكم بسؤال «هو مصر اشترت طيارات بجد عشان نضرب السد يا باشا؟»، ثم تكتشف أن شائعة الطائرات وضرب السد هى حديث الساعة على المقهى مساء، وبين الأسر مساء (إذا ما انقطعت الكهرباء واخترت صلة الرحم بدلا من التسكع على المقاهى). وكذلك يصبح موضوع الطائرات وعددها وأنواعها، والموعد المحتمل لتوجيه مصر ضربتها القاضية للسد الأثيوبى هو حديث الساعة وكل ساعة أينما ذهبت فى مصر.
خط الشائعات سوف يمتد بالضرورة على استقامته ليصل إلى النتيجة التى يتوقعها ويريدها ماضى ونور، وهى إصابة إثيوبيا بحالة من الفزع والهلع يجبرها بالضرورة إلى وقف مشروع بناء سد النهضة، وربما يدفعها أيضا إلى التفكير فى الهجرة من كل قارة أفريقيا بحثا عن مكان أكثر أمنا لا تصل إليه الطائرات التى اشترتها مصر.
هذا هو ما يريده الدكتور أيمن نور وما يتوقعه المهندس أبو العلا ماضى، فإذا كنت تشعر الآن بارتياح عميق لأن الأول (د. أيمن نور) لم يفز فى انتخابات الرئاسة التى خاضها فى مواجهة مبارك عام 2005، فالمؤكد أنك تشعر ببعض الدهشة من مستوى تفكير المهندس أبو العلا ماضى، وهو الذى استطاع لسنوات طويلة أن يُقنع الجميع (مشيها يُقنع) أنه منشق عن الإخوان ومختلف عنهم ومعهم إلى حد التناقض.
لكن حاول أن تتجاوز حالة الدهشة، لأنه إذا كانت تلك هى قدرات من أقنعك (برضو مشيها أقنعك) فعليك أن تلوم نفسك، ثم تأمل (بعد تجاوز حالة الدهشة) فى جوهر الفكرة التى طرحها رئيس الذراع السرى للإخوان «ننشر شائعات»، لتكتشف أن صاحبنا لا يميز كثيرا بين كيفية إدارة العلاقات الدولية، وأسلوب التعامل مع الخصوم السياسيين فى الداخل، فاستعار ذات الأسلوب الإخوانى فى نشر الشائعات عن الخصم السياسى، وتشويهه وشيطنته (مليشيات الإخوان الالكترونية)، وأراد تطبيقه فى العلاقات الدولية، لكن الرجل (وحتى لا نتجنى عليه ونظلمه) أدخل تطويرا مهما على عمل المليشيات الإخوانية، لأنه يدرك (وهذه تحسب له) أنه من الصعب أن ننشر عن أثيوبيا مثلا أنها مرافقة الكونغو، أو أنها تتلقى تمويلا أجنبيا، أو أنها عميلة للخارج، وما إلى ذلك من أساليب مليشيات الإخوان الالكترونية فى التعامل مع الخصم السياسى، فكان أن أخذ جوهر الفكرة (ننشر شائعات) وطورها لتصبح شائعات بضرب السد!! ومرة أخرى حاول أن تتجاوز حالة الأسى لأن الرجل باع لك يوما ما وهم الانشقاق عن الإخوان، وتعلم الدرس.
وفى المحصلة، أظن أننا مدينون بالشكر والتقدير للسيدة باكينام الشرقاوى نائب رئيس وزراء مصر، عفوا –نسيت- أقصد مستشار الرئيس المصرى لشئون الحوار والبث المباشر، فقد كشفت لنا من حيث لا تقصد مستوى الحوار والمتحاورين.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة