عرفت السينما المصرية الرجل الكبير الغامض المختفى خلف نظارات سوداء وصورة رجل البر والتقوى، الذى يكون غالباً سياسياً أو رجل أعمال يمسك بخيوط اللعبة ويظهر فى نهاية الفيلم. وكان الرجل الغامض غالبا شريرا، لأن رجل الخير ليس فى حاجة لأن يلعب دور الرجل الغامض. كان الفنان زكى رستم ومحمود المليجى أبرز من لعب هذا الدور، وكانا يقدمان أدوارهما باحترافية ومتعة، هذا فى السينما.
بعيداً عن السينما وفى عالم الناس كان هناك دائماً من يلعب هذا الدور، ويدير عمليات السياسة والمال من وراء ستار، وغالباً لا يكون الشخص الطبيعى للاختفاء طالما كان يعمل فى النور. لكن عندما يتداخل المال بالسياسة والسلطة تظهر تلك الشخصيات ذات الأدوار المزدوجة التى لا تخلو من غموض قد يكون مقصوداً، فهناك من يريد لعب دور الرجل الثانى ويفضل البقاء فى الظل لأسباب خاصة. لكن طالما كان الشخص يطرح نفسه فى العمل العام، عليه أن يعمل بقوانينه، فإذا كان مطروحاً كمرشح للبرلمان أو الرئاسة، فمن الصعب أن يظل محتفظاً بغموضه، لأن هذا الغموض يضاعف من حجم الشائعات ويخلط الحق بالباطل والحقيقى بالوهمى.
نقول هذا بمناسبة المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، وما يثار حوله وما هو متاح من معلومات. وقد ساهم الغموض المحيط بالجماعة نفسه فى صناعة حالة من الغموض العام، كان هذا مرتبطاً بوضعية عرفية لجماعة سرية غير معترف بها قانوناً، وإن كانت شبه معلومة فى الظاهر، لكن الوضع تغير ولم تعد الجماعة محظورة، بل إنها وصلت إلى السلطة. وحصلت على حزب سياسى، لكنها ظلت تحتفظ بجزء من غموضها وتتعامل أحيانا كتنظيم سرى مغلق على أعضائه وتعمل بمبدأ السمع والطاعة. وهو أمر يتنافى مع عالم السياسة المتغير الذى يصعب فيه إخفاء الأسرار.
ومثل الجماعة كان خيرت الشاطر نائب المرشد الذى يختصر غموض الجماعة، وحرصها، فقد كان دائماً هو الرجل الغامض فى عالم الجماعة، لكنه طرح نفسه وطرحته الجماعة كمرشح لرئاسة الجمهورية، وتم استبعاده لأسباب قانونية، إذن فالرجل مطروح للرئاسة الأمر الذى يحتم عليه مغادرة حالة الغموض إلى العلن. وأن يحرص على مغادرة تلك المنطقة الرمادية التى لا تناسب السياسة والسلطة. لأن البقاء فى عالم الغموض يسهل التفسيرات التآمرية لتحركاته، وآخرها لقاؤه بالسيد عمرو موسى فى عشاء أيمن نور. لو كان الشاطر يتحرك فى العلن لما تحول لقاؤه إلى موضوع لتأويلات مختلفة. ولا تحول إلى موضوع دائم لحكايات عن صفقات ومؤامرات. ولا أصبحت تحركاته ورحلاته ولقاءاته فى الداخل والخارج محلاً للتأويل والتفسيرات المزدوجة.
ماذا لو خرج المهندس خيرت الشاطر من عالم الغموض والرمادية إلى عالم الناس والسياسة، طالما يريد، بدلاً من الاستمرار فى لعب دور الرجل الغامض، الذى لم يعد مناسباً لعصر بلا أسرار. وربما لو تخلى الشاطر عن قناعه، يساعد الجماعة عن رفع أقنعتها المختلفة، التى تضعها دائماً فى محل الشكوك.