كعادته فى كل الزيارات يفاجئنا الرئيس مرسى بمزيد من علامات الاستفهام، وكلمات الاستغراب حتى أصبح حديثه وحوارته حكى بلا حبكة وفيض بلا عطاء وإسهاب بلا حقائق أو أرقام باستثناء كلامه عن مخدر الحشيش، الذى أصبح متوفراً بكثرة فى الأسواق لا ينافسه سوى السلاح وحبوب الهلوسة التى تباع بجوار لجان الأمن على الطرقات.
الرئيس محمد مرسى اختار إثيوبيا التى تصدر لنا هذه الأيام أول بوادر مشروع "النهضة" للإعلان عن وضع تعريف جديد للشفافية، تجاهل الرئيس النهضة والماء على اعتبار أنهم ليسوا ضمن جدول الأعمال وفضل الحديث عن الشفافية والحشيش، وبدلاً من الإفصاح عن الحقائق ومصراحة الشعب بالمعلومات، والإجابة عن التساؤلات، فقد أكد أن الشفافية فى حاجة إلى تعريف جديد، وبالطبع هذا التعريف الذى يحلم به الرئيس لابد أن يتوافق مع أهداف وتطلعات ورغبات نظام الحكم بحيث تكون الشفافية حسب الحالة المزاجية والمصلحة الرئاسية والمتطلبات الإخوانية كما كانت تفعل الانظمة السابقة.
ونذكر الدكتور مرسى بأن الشفّافيَّة فى قاموس اللغة العربية المعاصر مصدر من الفعل شَفّاف، وتعنى قابليّة الجسم لإظهار ما وراءه، وتستعار للشّخص الذى يظهر ما يبطن، فيقال له رجل ذو شفّافيّة، وتقول موسوعة ويكيبيديا إن الشفافية مصطلح تم ترجمته حرفياً من الكلمة الإنجليزية Transparency، وقد أخذت الشفافية بمعناها المستعار من علم الفيزياء وتعنى المادة الشفافة الواضحة الزجاجية بحيث يمكن رؤية الطرف الآخر من خلالها.
وتعتبر الشفافية فى الدول المتقدمة والأنظمة المحترمة وسيلة لمحاسبة المسؤولين ومكافحة الفساد، وقد بدأ تطبيق الشفافية فى الأسواق المالية ثم الحكومات المتقدمة التى لا تخشى مواجهة شعوبها لطهارة يدها وثقتها فى أفعالها، أما فى مصر فقد اكتشف المصريين أن الشفافية كلمة هلامية مازالت تبحث عن تعريف يوضح الهدف منها.
لقد نسى الدكتور مرسى أن الشفافية فى الدولة المتقدمة لا تعنى إظهار الحقائق وصراحة الشعوب فقط، بل التفرد والتجرد، والتميز والابتكار فى خلق حلول للمشاكل والقدرة على مواجهة الصعاب والعمل من أجل إسعاد الناس وليس السخرية منهم والاستهزاء من أحاديثهم، وإصدار كتب ضخمة بانجازات وهمية لايرها سوى من يعتبرون الشفافية أشياء هلامية تظهر بعض الاشياء وتخفى البعض الآخر حسب الرغبة والحاجة والمصلحة الصوت الانتخابى.
فالشفافية لا تعنى الهروب من المشكلة كما حدث فى قضية اختطاف الجنود السبعة بالتأكيد على أن حديث الفريق أول عبد الفتاح السيسى هو سبب المشكلة ثم الاحتفاء عند إطلاق سراحهم وتحويل الأمر إلى إنجاز نتيجة عمل قائم على الابداع دون إدراك أنه لا يمكن أن تقع جريمة دون مجرم إلا فى نظام الحكم المصرى الذى يسير على درب أسلافه.
الرئيس فى مضمون حديثه فى إثيوبيا أكد أن الشعب يجب أن يقبل ويؤمن بما تقوله الحكومة وماتنطق به الرئاسة وكأنهما ينطقان بوحى يوحى إليهم، نعلم جميعا أنه يوحى إليهم ولكن الوحى ليس من السماء ولكن من جبل المقطم، وليس وحيا ربانياً كما يدعى الدكتور عصام العريان بأن جماعة الإخوان جماعة ربانية فلو كانت كذلك ما سقطت فى تلك الأفعال الشيطانية وما احتاجت إلى المحسنات البديعية لتجميل عوراتها الإدارية.
لقد اعتبر الرئيس تحرير الجنود دون قطرة دماء إنتصار تارخى ونحن جميعا نقدر جهوده ونثنى على نجاحه ولكن أن يقع الحدث وينتهى دون أن يعرف الشعب شىء عنه فهذا هو تعريف الشفافية فى الموسوعة المرسية، نحن لانريد أن نعرف المعلومات التى يدعى بها مرسى وأعوانه أنها تضر بمصالح البلاد ولكن أن يتم التعتيم على كل شىء وإخفاء كل الحقائق، ثم نشاهد احتفالات بالنصر العظيم الذى حققه مرسى فى تحرير الجنود بخبرته العسكرية وحنكته السياسية دون أن يذكر أى معلومات عن المجرمين يؤكد أن الخاطفين كانوا ملائكة هبطوا من السماء أو ضمن الجماعة الربانية، وأما أنها تمثيلية على الشعب لاظهار بطولة عسكرية زائفة ليست من ثوب الرئيس مرسى.
لا شك أن طلب الرئيس مرسى بوضع تعريف للشفافية سيكون على غرار الدستور المصرى الذى تشدق به الكثيرون، معلنين أنه الأفضل فى الكون والأحسن بين دساتير البشر وبعد تطبيقه بعدة أشهر عاد زوار الفجر يحطمون أبواب البيوت من جديد فى حضرة الدستور العظيم.
كنا نتمنى أن يجعل الرئيس من الشفافية والمصارحة والريادة فى التفكير وحسن القيادة والتدبير ديواناً للألفة والانسجام بين الناس وطريقاً لانقاذ الوطن من الازمات المتلاحقة التى يتعرض لها حتى يكون المواطنين على علم بالحقائق ولايقعوا فريسة للشائعات ثم يبدأ هجوم الإخوان والنظام على الإعلام.
أتمنى أن يكون ما قاله مرسى نتيجة الصدمة التى تعرض لها فى إثيوبيا بدءاً من الاستقبال الإثيوبى الفاتر، حيث استقبلته وزيرة التعليم وتجاهله كبار المسئولين كعادته فى كل زيارته الخارجية إلا زيارة ألمانيا، ثم تم قطع الصوت عنه أثناء القاء كلمته بعد عدة دقائق وكأنه زائر غير مرغوب فيه أو طالب فى حفل وليس رئيس أهم دولة فى المنظمة الافريقية، فى حين كان يتم استقبال رؤساء مصر السابقين فى إثيوبيا بتقديم القرابين لهم وسط تجمع كبار المسئولين الإثيوبيين الذين يتوددون إلى القادة المصريين تقديرا لعظمة ودور وقيمة وأسم مصر، وربما خوفا من غضب رؤساء مصر عليهم، ولكن رئيس مصر المنتخب لم يتمعر وجهه غضبا لسوء استقباله أو للسذاجة والاهمال فى التعامل معه أثناء جلسة القمة الأفريقية وكأن مصر أصبحت دولة هامشية فى الأدغال الأفريقية، ثم كانت الطامة بإعلان إثيوبيا عن تحويل مجرى النيل قبل صدور تقرير اللجنة الثلاثية بعدة أيام لتضع الجميع أمام الأمر الواقع، متجاهلة مصر ورئيسها، بينما خرجت علينا جماعة الاخوان لتعلن أن أزمة النيل لم تكن مدرجة على جدول أعمال الرئيس خلال الزيارة فى حلقة جديدة من مسلسل التبرير الذى يلجأ إلية النظام وقت الأزمات.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ابو امير
شفافية بالمزاج
عندك كل الحق والله ياستاذ رمضان
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عبد العزيز
الشفافية هي تعرية الدولة!!!!!!!!!
عدد الردود 0
بواسطة:
amin kather
مركز الرئيس من مركز الدولة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمدمسعدالبرديسي
احــــــــــــــــــــــــــذروا الهوس والخروج
عدد الردود 0
بواسطة:
محب مصر
والله اني مشفق على أدياء التعليم والثقافة