للشعب المصرى أسرار ومفاتيح بسيطة لدرجة التعقيد، إذا لمس أحدهم بساطتها فسوف يجد قبولا منه، وإذا تخابث عليه خبيث يعطيه ظهره ويثور ويغضب. مفاتيح لم يفهمها مبارك عندما غضب الشعب، ولم يفهمها الإخوان عندما تصوروا أنهم يمكنهم خداعه. هو الشعب الذى تعاطف معهم عندما لجأوا له مظلومين. لكنه يرفضهم اليوم ظالمين. هؤلاء يعرفون مصر ويحبون علمها ونشيدها وأغانيها.
المصرى تكسبه بكلمة طيبة، وتخسره بحركة نذالة. هم اليوم فى المظاهرات ضد النظام، مثلما كانوا فى طوابير الاستفتاءات والانتخابات، ملايين تتحرك بقلبها. ليسوا نجوما، ولا يريدون بطولة، الرجل العادى والسيدة العادية، لا أحد يمكنه التشكيك فى إيمانهم لأنهم حسموا القضية مبكرا. ليسوا كمالة عدد، بل هم العدد الأصلى، يهتفون من قلوبهم لمصر، ويرفعون أصواتهم حتى لو خدعهم البعض مرة فلن يخدعهم كثيرا.
المصريون اليوم فى الشوارع.. هم من ساندوا الثورة ضد مبارك حتى ولو بقلوبهم، حلموا بحياة أفضل، هم من ذهبوا للاستفتاء والانتخابات رهانا على الأفضل. وعندما اكتشفوا الخدعة عادوا ليمارسوا الاعتراض. وعملوا بالمثل «خليك ورا الكداب لحد باب الدار»، وعندما اكتشفوا الكذب خرجوا ليعلنوا رأيهم، كانوا ومازالوا يحلمون بحياة أفضل وطعام أنظف ورزق مأمون حتى لو كان شحيحا. شقة صغيرة، أو شارع خالٍ من انفجار الصرف وشح المياه.
لم يلتفتوا لجائعى السلطة الحاليين يتهمونهم بأنهم يريدون إعادة جائعى السلطة السابقين. المصرى مطالبه بسيطة الستر، صوت للإخوان عندما أعلنوا عن برامج ووعود، واعترض ورفض وتمرد عندما اكتشف الخدعة. يعرف ربنا بفطرته، وإحساسه. ويرفض تقسيم الناس إلى مؤمنين وكفار.
المصرى الطيب المسالم المرهق من عقود الظلم والتجاهل والاستبداد. زحف بالملايين إلى اللجان، وقف فى الطوابير، كان كل منهم يحمل صوته للمرة الأولى. كان يشتاق للحرية والعدل، الآن يرفض الخلط والتضليل والاستقطاب. اليوم يرفض ما قبله من قبل.
شباب شارك فى الثورة لأول مرة، شارك فى الحملات الانتخابية بعضهم يمارس السياسة للمرة الأولى، ليسوا من نجوم المرحلة المعروفين لكنهم يؤمنون بالله والوطن ويتعاطفون مع الفقراء والغلابة يريدون وطنا أفضل.
عشرات الآلاف من الشباب تفوقوا على كل الأحزاب والتيارات السياسية، أغلبهم ليس منظما فى حزب أو جماعة سياسية، لم يعودوا مجرد متطوعين لعمل موسمى، وهم يرون خريطة البلد تتشكل. وميدان العمل العام فارغا وخاليا من اللاعبين، ويحتله المحترفون، هؤلاء يعرفون أن الجديد لم يولد ولم ينتظروا، فقد تمردوا ورفضوا.
تمردوا على القواعد القديمة، وعلى المحترفين والنجوم والمستعرضين، حققوا خبرة من انتخابات متتالية، كشفت لهم عن كذب اللعبة القديمة، ويرفضون استمرارها، ليست لديهم أطماع، لكن لديهم طموحات، يحاولون التغلب على أمراض السياسة قادرون على العمل الجماعى.
شباب فى العشرين، وسيدات ورجال فى السبعين زحفوا وتعكزوا وتحملوا مشقة المشوار وإرهاق الطوابير بسعادة، وكأنهم يحجون للمرة الأولى، لم يخرجوا لينصروا فريقا ويخذلوا آخر. ارتبكوا أو استمعوا لصوت الترهيب أو الترغيب، أبرياء من هذا الاستقطاب. صوتوا للمستقبل كما رأوه، وهم الآن يخرجون معترضين على من خانوا العقد وفسخوا التعاقد وكذبوا. التصويت الخاطئ وارد، وهو جزء من الديمقراطية. الطريق نحو الحرية بدأ، ولن ينتهى، لا مناورات بعد اليوم.