أكتب هذه الكلمات قبل أن تبدأ مظاهرات أمس الأحد الداعية إلى انتخابات رئاسية مبكرة.
فى هذه اللحظات التاريخية التى تعيشها مصر، يأتى سؤال، كيف يصل الحاكم إلى ديكتاتوريته؟، كيف يتنكر لشعبه؟، لماذا يغلق أذنيه فى وجه معارضيه؟، لماذا لا يستفيد من تجارب حكم الآخرين؟
يبدأ الديكتاتور حكمه بإغراق شعبه بالأمنيات الطيبة والأحلام الكبيرة، يتبسط فى الحديث، يعد بأنه لديه القدرة على فعل أى شىء، يبشر ببرنامج انتخابى طموح يشمل مشروعات وأرقاما وأفكارا، يتعجب من الحاكم الذى سبقه ولم يستمع إلى شعبه، يقول: «كيف لهذا الحاكم أن ينام مرتاح البال ومواطن فى شعبه جوعان؟»
راجعوا ما فعله محمد مرسى منذ دعايته الانتخابية، تحدث عن برنامج أطلقت عليه جماعته اسم «النهضة»، وصفه قادة الجماعة بأنه البرنامج الذى استعانوا فيه بخبرات دولية، وأن إعداده يتم منذ سنوات طويلة، قال صبحى صالح إن كتابته تتم منذ بداية القرن الماضى، وخفض آخرون المدة فقالوا أنه منذ بداية تأسيس الجماعة عام 1928.
نجح مرسى فى انتخابات الرئاسة، بحث المصريون عن برنامج النهضة فلم يجدوه، فوجئ المصريون بقيادات الجماعة تتحدث عن أنه غير موجود، كان ذلك أول طريق الديكتاتورية، شعر المصريون أن ضحكة كبيرة عليهم لا لهم، تغافلت الجماعة عن هذا الخطأ الكبير، ظن قادتها أن المصريين بلا ذاكرة، لعبوا لعبة التجاوز وتعنى إغراق المصريين فى حقائق جديدة حتى ينسوا الوعود القديمة، هى نفس اللعبة التى كان يلعبها مبارك ونظامه، ونفس اللعبة التى تتقنها الأنظمة الديكتاتورية، لعبة عنوانها: «تعالى نتكلم فى الموجود الآن ودعك من وعود الماضى».
من يتحدث الآن عن برنامج النهضة؟، من يحاسب صبحى صالح وعصام العريان وجمال حشمت ومحمود غزلان وقبلهم خيرت الشاطر ومرشدهم، من يحاسبهم على أنهم وعدوا ببرنامج، ثم ظهر أنه كذبة كبيرة؟ من يحاسبهم على هذا المواطن البسيط الذى ذهب إلى لجنة الانتخابات ووضع صوته لأنه صدق أن هناك شيئا اسمه «النهضة»؟
هكذا بدأ مرسى وأهله وعشيرته طريق الديكتاتورية، لم يفهم الأهل والعشيرة، أن أكبر قيمة فى ثورة 25 يناير هى، أن الشعب صار الطرف الحاكم لا المحكوم، لم يعد ينفع معه أن تجلس نخبة فى غرفها وتقرر له، أصبح كل مصرى سياسى بمعان مختلفة، فلا تستطيع أن تضحك عليه طوال الوقت، يصبر المصريون على قطف الثمرة، لكن شرطهم فى ذلك أن يصدقوا حاكمهم، مستعدون لربط الأحزمة على بطونهم ما دام لديهم حاكم يثقون فى أنه يعمل من أجل الغد، اكتشفوا أنهم وقعوا فى مصيدة الوعود الكاذبة، فكان سلم الهبوط لحكم الجماعة سريعا.
لم يفهم مرسى وأهله وعشيرته تلك الخصوصية، ظنوا أن قوة تنظيمهم من شأنه أن يسيطر على كل شىء، من شأنه أن يبث الرعب فى الآخرين، تحدثوا عن ضعف المعارضة بالدرجة التى تعطيهم الميزة، هى نفس اللغة التى استخدمها نظام مبارك، فكانت الثورة عليه.
الديكتاتورية تعنى كل ما سبق، والديكتاتور لا يتم علاجه لأنه يرى أنه الشعب، والشعب هو، هكذا كان مرسى طوال عام مضى.