هل تعلم يا عزيزى القارئ أن الشيطان قد يئس أن يعبد فى هذه الأمة، لكنه رضى بما هو دون ذلك.. رضى بالتحريش، والتحريش بمعنى التفريق وغرس العداوة والبغضاء، رضى الشيطان بذلك أن يفرق الأمة.. أن يمزقها ويشتت شملها، رضى بالبغضاء والضغائن والأحقاد التى تشتعل بها الصدور. ليس هذا رجما بغيب أو قولا من عندى، إنما هو الخبر الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم، الخبر الذى يوضح تلك الآفة التى طالما حذر منها الله ورسوله، تلك الآفة التى يصر كثير من الناس على المضى قدما فى طريقها، والتردى عمدا فى مهاويها، آفة التفرق والتمزق والتشرذم.
لن أضيع وقتك فى سرد أسباب وتحليل عوامل أوصلتنا لتلك الحالة التى نعانى منها اليوم فى وطننا، ووصلت إلى درجة مزقت العلاقات بين الأخ وأخيه، والابن وأبيه، وهدمت أو كادت تهدم بيوتا، ولربما هدمت يوما ما مستقبل أجيال وأجيال، فلطالما كتبت وكتب غيرى محذرين ومنبهين ومبينين لتلك الأسباب والعوامل التى صارت معروفة، وأصحابها معروفون، ولم تعد هنالك فائدة فى نظرى من تكرار أو توجيه الخطاب لتلك النخب المتكلسة فى جميع الأطراف، والتى تصر على خوض ذلك الطريق لنهايته بخطاب تفريقى بغيض، أوصل عموم من أدمنوا الاستماع لهم إلى تلك المرحلة من الكراهية والتدابر. لن أكرر توجيه النصح لهم لأننى ببساطة «رميت طوبتهم».
رميت طوبة كل نخبوى يتشدق بشعارات المصالحة عبر الأبواق الرسمية، بينما يمسك بيده سكينا يمزق به أوصال الأمة من خلال أفعال ومواقف تزيد الطين بلة، وتسكب الزيت على النيران. ومن باب أولى رميت طوبة من لا يكلفون أنفسهم حتى بذلك التجمل المصطنع، ولو عبر خطابهم المعلن، بل تجدهم يجهرون بالعنف اللفظى لدرجة دفعت أحدهم لأن يكتب مطالبا ببناء «جيتوهات» كتلك التى كانت تبنى لليهود ليعزل فيها مخالفيه عن مجتمعهم. يطالب ببنائها لمخالفيه ليعزلوا فيها إن لم تسعهم الزنازين فهم جميعا - كما بلفظه - مجرد حشرات سامة، لا تستحق حتى محاكمة عادلة. مثل هؤلاء من جميع الأطراف، لا ينبغى أن يُعَول عليهم مهما أعلنوا من مبادرات مصالحة معلبة، لا تسمن ولا تغنى من جوع، ما أعول عليه حقا وأرفض أن أكفر به بعد فضل الله وتمام مشيئته، هو شعب بسيط طيب أتشرف بالانتماء إليه، وأصر أن الخير لم يزل فيه رغم كل المؤثرات والمنغصات.. شعب قدر له الله أن يدرك أياما كريمة فى مرحلة من أحرج وأخطر مراحل تاريخه، ولأنه لا شىء يجرى فى كون الله عبثا، فإننى أوقن أنها فرصة امتن الله بها علينا فى خضم التشاحن والتباغض والتدابر، فرصة يصفد فيها المُحرش الأخطر، والممزق الأكبر ولم يبق إلا أن نتلقفها ونتقبلها، لا ببروتوكولات ومظاهر متكلفة، ولكن بنية حقيقية فى الإصلاح، بإقبال حقيقى على معنى أنسانا الشيطان وجنده إياه أياما طويلة فى خضم التنازع والكراهية والتخوين، معنى الأخوة، معنى الترابط والتآلف الذى يبرز بسهولة فى هذه الأيام المباركة، بدون رتوش نخبوية، ولا تقعرات ومبادرات بروتوكولية. إن رمضان فرصة حقيقية ليتصالح هذا الشعب مع نفسه، ويعود كله إلى جزئه وجزؤه إلى كله رغم الخلاف والاختلاف الذى هو سنة كونية، فرصة ونحن فى شهر القرآن نجتمع فيه على الطاعة، ونتدبر سويا كلام مولانا إذ يقول: «إنما المؤمنون أخوة»، ونتلو أمره: «فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم»، ونتذكر منته: «فأصبحتم بنعمته إخوانا»، نعم رغم كل ما حدث ويحدث أقول لم يزل هناك الكثير مما نجتمع عليه، وننبذ به ذلك التحريش والتمزيق الذى يحرص عليه البعض، وندع تلك الكراهية التى لا يقتات عليها إلا أعداء أمتنا، والتى يستحيل أن يستمر مجتمع فى الحياة طالما تستعر داخله، ويحرق قلبه لهيبها. لم نزل إخوة رغم كل شىء، وقد جاءتنا الفرصة والهدية الربانية التى تجمعنا والتى نستطيع كشعب طيب متآلف أن نبرزها على السطح من جديد، رغم أنف المحرشين والإقصائيين والانتقاميين ممن لم يعد هناك مناص من إلقاء «طوبتهم».. طوبة النخبة.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
mohamad Solian
رضى ا ن يفرق الأمة....
عدد الردود 0
بواسطة:
mm
مالكش دعوة
عدد الردود 0
بواسطة:
vvvvvvvvvvvvvv
هناك مستفيدون من شيطنة الأوضاع والإقصاء يادكتور
عدد الردود 0
بواسطة:
الزينى
مقاله كويسه
بتعبر عن الواقع وبحياديه