منذ الإعلان الدستورى الأول الذى أصدره الرئيس المعزول د.محمد مرسى فى نوفمبر 2012 وحالة الانشقاق المجتمعى بدأت تفعل فعلها، تشكلت جبهة الإنقاذ، والتفت حولها قوى سياسية مختلفة، وإن كانت تعبر عن أقسام من طبقات اجتماعية متنافرة، بدءا من الطبقات العمالية والفلاحية وانتهاء بالطبقات الرأسمالية، مرورا بالطبقة الوسطى، وأصبح جليا للعيان أن الإعلان فجر قضية مسكوتا عنها، وهى أن أغلبية المصريين يرفضون حكم الإخوان دفاعا عن الهوية المدنية للمجتمع بالأساس، فى المقابل كان قطاع أفقى ورأسى من الفئات الدنيا من الطبقة الوسطى، وفئات من فقراء المدن والريف ينحازون لهوية دينية فى مقابل الهوية المدنية، وتجلى ذلك فى الانشقاق المجتمعى: من ملبس وشعارات ولغة خاصة فى الحديث، باختصار انقسم المجتمع إلى أغلبية مدنية تدافع عن هويتها وثقافتها وطريقتها فى الحياة، مقابل أقلية لها ثقافتها وهويتها وطريقتها فى الحياة من منظور دينى، وتبادل المجتمعان الاستقواء بجبهات ومنظمات وأطر سياسية، الأقلية الدينية يعبر عنها 17 حزبا دينيا، والأغلبية المدنية تعبر عنها جبهة الإنقاذ، والتيار الشعبى وعشرات المنظمات الشبابية، ومنظمات الأقليات الدينية مثل «الأقباط والشيعة والبهائيين» والأقليات الثقافية مثل «النوبيين» والعرقية مثل «البدو»، القوى الاجتماعية ذات الهوية المدنية كانت تناضل من أجل إسقاط ما أسمته «حكم المرشد»، والقوى الاجتماعية الدينية لخصت مشروعها فى شرعية الرئيس مرسى، ومن ثم تم الانحراف بالصراع الاجتماعى والسياسى إلى صراع «هوية»، صراع وجودى ذلك الخطر الذى لم ينتبه إليه الساسة، واستمروا يطرحون مبادرات للحوار من أعلى يتبادلون فيها الاحتراب دون إدراك يذكر لفهم طبيعة الصراع وديناميكيته، فى المقابل كانت السلطة القضائية تتخندق فى استخدام الآليات القانونية فى الدفاع عن هويتها، الأمر الذى أثار الفزع فى أوساط القوى الدينية فحاولت إسكات صوت القضاء عبر محاولة «جهولة» لتمرير قانون السلطة القضائية، الذى كان التمهيد للقضاء على القضاء المدنى، وكلما صدر حكم قضائى يؤطر للحياة المدنية يواجه الإخوان القضاء.. مما أدى إلى انهيار ما تبقى من النظام السياسى المدنى، وتفسخ الدولة عبر الإرهاب فى سيناء، وما تردد عن مشاريع بيع قناة السويس، ولذلك جرحت تلك المعطيات ما ترسخ فى الذهنية الشعبية المصرية عن الدولة العريقة التى يريد المشروع الإخوانى «تقزيمها»، كل ذلك دفع الوعى الشعبى إلى اللجوء للجيش «رمز الوطنية»، وبدأت حملة التوكيلات، بما تحمل من دلالات موضوعية، كل ذلك لم يصل إلى إدراك النخب الدينية التى أسرعت بالأخونة، والمدنية التى انفصلت بالكامل عن الواقع الاجتماعى، مما دفع ببروز حالة «تمرد» التى تحولت إلى رافعة جماهيرية عفوية، ومنقذ للدولة العميقة، ومؤشر لمغازلة العقيدة الشعبية الوطنية لجيش «عرابى وناصر وعبدالمنعم رياض»، فانحاز الجيش لمصدر قوته أى الشعب، الأمر الذى لن يفهمه الغرب ولا الأشقاء فى الأقلية الدينية، ومن دواعى السخرية: منذ متى يؤمن الإسلاميون بالديمقراطية أو دولة القانون؟ ومن سخريات القدر أنهم يدافعون عن الشرعية ويستدعون الخارج.. إننا أمام مشهد انشقاق الأقلية الدينية عن الأغلبية المصرية المدنية، صراع هوية وثقافة، تجلياته سياسية، صراع لن يحل بمصالحة وطنية، وغالبا ستسعى الأقلية الدينية للوصول إلى اتفاق مرحلى ترعاه أطراف دولية، وصدقونى إن ما نعيشه على الأرض هو «حرب أهلية باردة» حتى الآن.