البعض يفضل الحلول الجاهزة عن التفصيل، ويتعامل مع الأحداث بالقطعة. ويفضلون استيراد نظريات ليطبقوها غير معترفين بوجود اختلافات شكلية وموضوعية، وأن كل تجربة هى نتاج الشعب وثقافته وظروفه. البعض يقيس على تجربة رومانيا أو دول أوروبا التى شهدت تغيرات، ولا ينظرون إلى تجارب قريبة ومحلية وعربية.
يتحدثون عن رومانيا ويتجاهلون العراق وأفغانستان والصومال، والسودان، وكيف انتهت هذه الدول إلى التفكك والصراع، وأن التسلط يقود إلى التسلط وأن الجماعات الطائفية والعرقية لا تنتهى إلى تجارب ديمقراطية.
تجارب الدول العربية الثائرة ما تزال تحتاج لقياسات تفصيل وليس إلى تفسيرات جاهزة. العراق خرجت من حكم شمولى إلى حكم قبلى وطائفى، بدأت بتفكيك الجيش ثم التفسخ، العراق كانت تحت حكم نظام صدام والبعث القوى المتسلط وتم إسقاط النظام بقوة الغزو، بحجة السلاح المحرم تارة، ثم الديمقراطية تارة أخرى.. وركبت تيارات لم تكن شعبية لكنها كانت منظمة بدأت بدستور طائفى، وسرعان ما بدأت عملية التآكل لدرجة أن هناك من يحن لحكم صدام، ندما على ديمقراطية لم تتحقق، واندفع البعض يتساءل عن قيمة حرية وديمقراطية فى غير وجود الدولة. خاصة أن نظام صدام الدموى انقسم إلى عشرات التنظيمات الدموية.
ربما كان هذا المصير ينتظر دولا أخرى أصبحت مكانا لتنظيمات إرهابية مثل القاعدة وباقى التنظيمات التى لا تعرف من أين تمول أو لمن تعمل، لكن واضح أن وظيفتها هى التفكيك والتقسيم، لأن هذه التنظيمات مثل الضباع تعيش على الجيف وبقايا الدول، على التقسيم والطائفية، وغالبا تعمل من أجل صناعة رعب يدفع لشراء السلاح. تعمل لصالح أجهزة الاستخبارات وشركات السلاح.
مثلا أعلن تنظيم القاعدة فى سوريا نيته فى إعلان دولة دينية فى شمال سوريا، وهو أمر لا يمكن أن يكون أحد أهداف الثورة والشعب السورى الذى خرج على تسلط بشار. اليوم اختفى الشعب من الصورة، وحلت مكانه حرب بالوكالة طائفية وعرقية. الشعب يثور على نظام قمعى ليجد نفسه أمام أنظمة أخرى أكثر تسلطا ولها أطماع ورغبة فى الاستحواذ، ومن نظام عسكرى إلى نظام عسكرى فاشى ولعل هذا هو ما أنهى المشهد البسيط للثورة السورية، ونقلها إلى مشهد متعدد الجيوش والجبهات والأهداف.
وبالعودة إلى مصر ما الذى يجعل مثل هذه المصائر مستبعدة، وكيف يمكن مواجهة التفكيك أو مساعى جماعات سيناء لإعلان إمارات فاشية بأسماء دينية. والغريب أن نظام الإخوان ومشتملاته من أحزاب وجماعات تكفيرية، لا يمانعون من وجود هذه التنظيمات.
الأمر إذن أننا بصدد تجارب مختلفة عن رومانيا أو أوروبا، ويفترض لمن يتصدون للحديث فى السياسة أن ينتبهوا للصورة كاملة، والسير إلى الأهداف وليس التوقف بالقطاعى.
نرى نظريات مستوردة سبق الكشف عن خطأها، وخلال عامين ونصف، كان بعض المنظرين يسارعون باستخراج نماذج جاهزة يقيسون عليها من دون الالتفات للاختلافات. ومازالوا يكررون الأخطاء والنظريات حيث يتوقعون نتائج مختلفة من نفس النظريات.