لم يكن أمس الأول يوما عاديا من أيام الوطن، فطبيعة الأيام التشابه، بينما يوم أمس الأول كان الفرادة فى أوضح معانيها وأبرزها، لم أغب يوما عن مليونية أو مظاهرة منذ يوم الثورة الأول فى 2011، لكنى على كثرة ما رأيت لم أر مثل يوم أمس الأول، يوم التقى الشعب المصرى بـ«الشعب المصرى» فغنوا وهتفوا وتحابوا وتآلفوا، لم يفرقهم شىء، ولم يفزعهم شىء، ولم يرهبهم شىء، اعتصموا بحبل الله الموصول بقلب الوطن، فصاروا هم والوطن واحدا صحيحا لا يقبل القسمة ولا يعرف التشتت.
فرادة يوم أمس الأول، لم تنبع فقط من انجلاء الغبار عن الشعب المصرى الذى ظهر فى أبهى صوره وأرفعها وأرقها وأجملها، لكنها نبعت أيضا من انجلاء وجه الزيف عن المزيفين، فقد عرف العالم كله من هم أهل العنف، ومن هم سكان الكهف، ومن هم أهل الرحمة والمحبة والوفاء، لا يكذب الدم ولا يناور، لا يكذب الشهيد ولا يتجمل، هو الوحيد الذى يحمل دليل صدقه على صدره وساما، هو الوحيد الذى يبرهن دائما على محبته الأصيلة، وهو الوحيد المغبون، والوحيد المظلوم، والوحيد الصامد الصامت المتألم المتأمل، 16 شهيدا فى يوم واحد، لم يحمل اليوم مواجهات معقدة، كان اليوم كرنفاليا مرحا مبهرا، لكن - لا سامح الله المجرمين - أراد الشيطان الكامن فى عقول إنسان الغاب، القابع على كراسى التحكم والتسلط.
كانت المسيرة فى أسيوط تمشى بفرح، فرح الصعايدة أخيرا لأنهم عرفوا طريق الشارع وشق صوتهم طريقه فى الحنجرة، أجبر مرسى وزبانية أهل الصعيد على الخروج إلى الشارع غاضبين، لكنهم عادوا حزانى مغدورين، كانت يد الشر منتظرة فى جحرها، ما إن رأت الورد بيفتح فى جناين جنوب مصر حتى أظهرت وجهها القبيح وروحها الدموية، انهال الرصاص على المتظاهرين السلميين المسالمين الذين «لا يعرفون العيبة» ولا تخرج من أفواههم الكلمة الخبيثة، فأردت شبابهم قتلى ونساءهم جرحى وأبناءهم مذعورين، كان اليوم صافيا رائقا عبقريا، لكن يد الشر الممتدة فى المقطم أرادت غير ذلك فكان غير ذلك.
لم يعتمد الإخوان فى الأيام السابقة على إقناع الشعب بمشروعهم، ولم يستطيعوا أن يواجهوا منتقديهم، فاختاروا اتباع استراتيجية «الغلوشة»، وكانوا كلما استضافتهم قناة يتكلمون عن العنف ويحذرون - كذبا - منه، ولما فات أغلب اليوم على خير، كان عليهم أن يدركوا الأمر فى الربع الأخير من الليل، فاغتالت أيادى أتباعهم القذرة أرواح الأبرياء، وهم الذين تم ضبطهم على مدار الأيام الماضية فى أكثر من موقع يحملون الرصاص والبنادق والرشاشات والطبنجات، فكان لهم ما أرادوا، وسال الدم مثلما اشتهوا.
غضبا وحزنا على ما دار فى أسيوط وما دار فى بنى سويف من اعتداء سافر على المتظاهرين السلميين بالرصاص، اتجه بعض الشباب إلى مبنى مكتب الإرشاد ليعبروا عن غضبهم، فبادرهم شباب الإخوان بدفعات البارود، دفعة بعد دفعة، حتى تضاعف عدد القتلى وأزهقت أرواح كانت تتأهب لحياة مشتهاة.
إننى لا أكتب تلك الكلمات لأقول رأيا أو لأوضح أمرا، ولكنى اكتبها لأذكر بها نفسى ومن سينسى فى الأيام القادمة، هم روجوا للعنف، ولما مر اليوم بلا عنف اختلقوه، وإنى أستطيع اليوم أن أجيب عن هذا السؤال الذى طرحه الكثيرون على: ما الفرق بين 25 يناير و30 يونيو؟ وإجابتى: كان الغضب هو الدافع الأول لمظاهرات 25 يناير، أما الآن فيؤسفنى أن أقول إن الدافع الأكبر للثورة هو الكراهية لحراس الكراهية.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ميمو
مبروك عليك الوحدة مع الفلول .. ؟!
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الحق
دعونا نسجل الحضور!
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد الباحث
يا أخى الكاتب الكريم..
عدد الردود 0
بواسطة:
مصري
ويقول المرشد ياليتني كنت ترابا
فوق
عدد الردود 0
بواسطة:
eslam
برجاء أرسال التعليق للمحرر
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى
قل ما شئت
عدد الردود 0
بواسطة:
زيكو
غدا يوم أفضل
عدد الردود 0
بواسطة:
مؤمن
محافظ إخواني لا أمان له