بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، رفع العديد من القوى السياسية والمجتمعية شعار «الدستور أولاً»، مطالبة بوضع الدستور فى البداية قبل إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية على حد سواء من أجل تقنين صلاحيات كل السلطات بعيدا عن وجود ممثلين لهذه السلطات، يسعون للحصول على أكبر مكاسب للسلطة التى ينتمون إليها، وهو الأمر الذى قوبل بالرفض آنذاك من قبل جماعة الإخوان المسلمين، والتى رفضت بشكل قاطع فكرة «الدستور أولاً»، وسعت بكل قوة إلى إجراء الانتخابات البرلمانية فى البداية من أجل الحصول على الأغلبية البرلمانية وبالتالى صياغة دستور كما تريد، وهذا ما حدث بالفعل بعد تشكيل الجمعية التأسيسية الأولى، والتى طعن عليها بعدم الدستورية، وتم حلها، ثم تشكلت الجمعية التأسيسية الثانية، ولكن هذه المرة تم تحصينها من الرقابة القضائية من أجل تمرير الدستور، كما يريد التيار الإسلامى أو بشكل أدق جماعة الإخوان المسلمين.
وبالتالى وبعد ثورة 30 يونيو فإن الفرصة باتت مواتية من أجل عودة الثورة المصرية التى اندلعت يوم 25 يناير لعام 2011 إلى مسارها الصحيح والسعى إلى صياغة دستور جديد للدولة المصرية، يأتى معبراً بشكل أساسى عن كل القوى السياسية والأطياف المختلفة فى المجتمع، وليس تعبيراً عن نسيج أو طيف واحد بعينه على غرار دستور عام 2013، الذى جاء نتيجة تحالف التيار الإسلامى وإقصاء كل القوى المدنية الأخرى من المشهد السياسى.
ولهذا فإن الدستور الجديد يجب أن ينص بلا جدال على أمر فى غاية الأهمية ألا وهو اعتبار المواثيق والاتفاقيات والعهود الدولية لحقوق الإنسان، جزءا من الدستور الجديد، وذلك مثلما تنص معظم دساتير الدولة التى تشهد مرحلة تحول ديمقراطى، وذلك على غرار الدستورين المغربى الجديد «2011» والسودانى الانتقالى «2005»، واللذين نصا على تضمين الحقوق والحريات الواردة فى المواثيق والاتفاقات والعهود الدولية لحقوق الإنسان إليهما.
وفى هذا الصدد، أقترح ضرورة تضمين الدستور لائحة للحقوق والحريات على النحو الذى يضمن صون وحماية الحقوق جميعا من أية ممارسات وقرارات وقوانين فوقية، إذ تصبح الحقوق فوق السلطات، فمن الضرورى أن يتضمن الدستور الجديد بابا لحقوق الإنسان، ونصا يقيد المشرع الدستورى فى حالة تعديل مواد الدستور، لا يجوز بمقتضاه الانتقاص من الحقوق والحريات الواردة فى هذا الدستور، كما ينص أيضاً على أن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، جزء لا يتجزأ من هذا الدستور، وهنا نرى أن هذه اللائحة واجب تضمينها شقين، أولهما: يتضمن حزمة من الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها فى المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وثانيهما: يتضمن حزمة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المنصوص عليها فى العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ومن أمثلتها الحق فى العمل، الحق فى الصحة، الحق فى السكن، الحق فى الرعاية الاجتماعية.
كما يجب أن ينص الدستور على حقوق المراة ومكتسباتها والتى يجب أن تأتى متسقة فى شكل أساسى مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية، التى كفلت حقوق المرأة على الصعيد الدولى، لأنه لا يجب بعد ثورة بهذا الحجم، خرجت فيها المرأة فى كل ميادين مصر، أن يكون الدستور الجديد على غرار دستور عام 2013 الذى أهمل حقوق المرأة وكأنها طى الكتمان.
كما يجب على الدستور الجديد أن يعمد إلى منع العديد من الممارسات التى تنتهك حقوق الإنسان، مثل ظاهرة التعذيب، والاختفاء القسرى، والاحتجاز التعسفى والقبض العشوائى، والتى كانت تتم قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، واستمرت بعد الثورة فى ظل حكم الإخوان، وذلك من خلال وضع عقوبات رادعة لهذه الانتهاكات، ووضع تعريف للتعذيب، يتفق مع ما جاء فى الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وذلك للقضاء على ظاهرة الإفلات من العقاب.