لا أعرف الأسباب التى دفعت الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور إلى إصدار قرار أمس السبت 20 يوليو 2013 بتشكيل لجنة لـ(تعديل) الدستور، وليس لـ(إعداد وكتابة) دستور جديد، فالدستور المزمع (تعديله) مصاب بعطب كبير نظرًا لأن الذين كتبوه ووضعوا بنوده ينتمون فكريًا إلى العهود الغابرة، فكيف بالله عليكم القبول بمبدأ تعديل دستور صاغه نفر يخاصمون العصر الحديث، ويكفرون المختلفون معهم فى الرأى، ولا يؤمنون بفكرة الدولة الوطنية العصرية؟
أظن أن الحاجة أصبحت ملحة الآن لكتابة دستور جديد وحديث يواكب العصر ويستشرف المستقبل. دستور يحترم حرية الفكر والإبداع. دستور يؤكد على ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية. دستور يشجع على الابتكار العلمى. دستور يمنع إقامة أية أحزاب على أساس دينى، فالدين لله والوطن للجميع. دستور يكفل للمرأة كل الحقوق التى يكفلها للرجل. دستور يمنح جميع المواطنين حق التمتع بالسعادة، وسأشرح هذه العبارة الأخيرة توًا.
فى عام 2006 تلقيت دعوة لزيارة كوريا الجنوبية للمرة الأولى، وبغض النظر عن التطور المذهل الذى رأيته هناك (مصنع هيونداى فى سيؤول ينتج ثمانين سيارة فى الساعة.. وأكرر ثمانين سيارة فى الساعة)، هذا على سبيل المثال، أقول بغض النظر عن ذلك، فإننى اطلعت على بنود الدستور الكورى، وكم أدهشنى البند الذى يقول بالحرف الواحد (على الدولة أن توفر لجميع المواطنين حق التمتع بالسعادة).
كنا نجلس آنذاك مع رئيس هيئة الاستعلامات الكورية، فسألته طالبًا التوضيح: (السعادة نسبية.. فكيف يمكن توفيرها لجميع المواطنين؟). ابتسم الرجل وأخذ يشرح العبارة العجيبة فى دستورهم، حيث قال: (معك حق.. السعادة نسبية، لكن هل من الممكن أن يكون هناك إنسان سعيد وهو لا يجد عملاً يوفر له حياة كريمة؟ أو لا يملك سكناً ملائمًا؟ وهل تتوقع أن ترى إنساناً سعيدًا وهو محروم من تلقى الخدمات الطبية اللائقة أو لا يضمن لأبنائه مكاناً فى مدرسة؟)، ثم أضاف بثقة: (نحن فى كوريا نوفر هذه الأمور لجميع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم ودياناتهم وعرقهم، ونظن أن هذه هى القاعدة المهمة والرئيسية لتوفير السعادة).
أعجبنى كلام الرجل الذى لمست آثاره فى الحياة اليومية الكورية، فعلى سبيل المثال.. الاقتصاد الكورى صار من أقوى عشر اقتصاديات العالم، بعد أن كانت كوريا ضمن أفقر ثلاث دول فى آسيا عام 1961، أما متوسط دخل الفرد الكورى فقد بلغ عام 2005 أكثر من 22 ألف دولار أمريكى فى السنة، بعد أن كان لا يتجاوز مائة دولار فقط عام 1961. كما أن نسبة الأمية صارت لا تتعدى واحدًا ونصف بالمائة فى عام 2005 بعد أن كانت 86% عام 1961.
هذه بعض الأرقام المذهلة، علمًا بأن كوريا الجنوبية يعيش بها نحو خمسين مليون إنسان، ومساحتها أقل من عشر مساحة مصر، ولا توجد بها موارد طبيعية مهمة كالبترول والغاز!
أذكر أننى كتبت فى مجلة دبى الثقافية بعد هذه الزيارة مقالاً طويلاً قلت فيه: (إنهم فى كوريا الجنوبية يوفرون لشعوبهم حق التمتع بالسعادة، بينما من يحكموننا يغمروننا بالتعاسة).
ترى.. أليس من حقنا أن نطمع فى دستور حديث يلزم الدولة بتوفير حق التمتع بالسعادة لجميع المواطنين؟