كنت أتمنى أن أعود لك بعد فترة الانقطاع لكى نكتب معا عن المستقبل، عن الكيفية التى يمكننا من خلالها تفعيل الآلية اللفظية الشهيرة «التكرار بيعلم الشطار»، وتطبيقها على واقعنا الذى تتكرر أخطاؤه دون أن نتعلم وكأننا للعناد والغباء والانحياز أصبحنا عبيدا.
ماباليد حيلة ياعزيزى، وما للدم من نهاية طالما لم تنجح فى القصاص له منذ البداية، وطالما بقيت دماء أحمد بسيونى، والشيخ عماد عفت، والحسينى أبو ضيف فى أرض التيه، لا قصاص لها ولا إنجاز سياسيا أو اجتماعيا ينزل كالماء بردا وسلاما على نار فقدانهم، ستذهب دماء سيدات المنصورة كما ذهبت دماء من قبلهم، لا لشئ سوى لصالح نخبة سياسية طامعة فى سلطة، ومجموعة من القيادات الدينية والشيوخ الذين أصابهم دنو السلطة، وتدليها بين أيديهم بالشراهة إلى كل ماهو «هبل» و«هطل».
ياعزيزى لقد عدت لأكتب لك مجددا بعد فترة من العزلة فى زمن أصبح الواحد فينا مضطرا لأن يرفع فوق صدره لافتة مكتوبا عليها ألف بيان إدانة لأحداث الحرس الجمهورى، واشتباكات المنصورة، لكى ينتزع إشادة الناس بأنه معتدل ومنصف، وكأن الجميع قد اتفق على تسويق نفسه فى صورة الناشط السياسى «المختلف»، حتى ولو تم ذلك على جثة الواقع أو على أشلاء البحث عن الحلول، طالما الثمن سيظل مجرد بيان إدانة منفصل عن الواقع، ويهاجم الجميع (شعبا وجيشا وشرطة وإخوانا وسلفيين).. هكذا المعادلة، فجر قنابل الإدانة فى مواجهة الكل، وكأنك العاقل الوحيد، بينما الواقع يقول إنك ربما تكون أفسد من يعيش داخل هذه المنظومة.
أنا أتفهم كثيرا كل هؤلاء الذين تعانى رؤوسهم من «بطحات» سابقة، تدفعهم للصراخ بالإدانة والإتجار فى إدانة كل حادث، دون الانتقال للخطوة التالية لعملية النحيب والشجب، سواء بفضح أسباب تلك الاشتباكات أو التظاهرات التى تسيل دماء المصريين بسببها، أو بالبحث عن الجانى الحقيقى سواء كانت سلطة لم توفر الحماية لكل مظاهرة، أيا كان طيفها السياسى، أو كانت قيادة حزبية أو دينية جشعة لدرجة تدفعها للتضحية ببعض البيادق من أجل حماية صاحب التاج.
وإن كنت أتفهم نفسية هؤلاء المنفصلين عن الواقع، الراغبين فى تسويق مثاليتهم المزيفة المعادية للمنطق، بحثا عن رضا الجميع، فأنا لا أتفهم أبدا كيف لهذا الجيل الشاب الذى كان دوما ساخرا وغاضبا من الحكام العرب الذين أمضوا عهودهم وهم يصدرون الكثير من بيانات الإدانة والشجب والاستنكار والبكاء على الدم الفلسطينى، وكنا جميعا نرى فى بيانات الإدانة التى تصدرها السلطة العربية نوعا من أنواع الأفعال المنفصلة عن الواقع، وكان بعضنا يصفها ببيانات العار والخيانة، ويخرج المحلل السياسى والمفكر الاستراتيجى من بيننا ليشرح آلاف السطور حول ضرورة تجاوز نقطة بيانات الإدانة والانطلاق فى البحث عن أسباب الجريمة ومواجهتها، اليوم وقد ظن البعض منا أن مستوى نضجه تخطى نضج ثمرة المانجو فى شهر يونيو، نرتكب نفس جريمة الحكام العرب التى كنا نصفها يوما بالعار والخيانة، اليوم نعتبر «استيتيوس» الإدانة للدم المصرى بطولة، اليوم نعتبر أننا أدينا واجبنا نحو الشهداء لأننا أطلقا «تغريدة من 140 حرفا على تويتر، ووقعنا باسمنا الثلاثى على بيان يستنكر الحادث.
وحينما ينطلق أحدنا إلى ماهو أبعد من ذلك، حينما يدرك البعض أن إدانة الدم فعل إنسانى، لا يحتاج للترويج أو الإتجار به فى وسائل الإعلام، وينطلق ليبحث فى شؤون الواقعة عن سبب وعن مجرم وعن محرض يحوله أصحاب المصلحة إلى جانٍ.
اليوم ياعزيزى أصبح كاتب تغريدة إدانة قتل نساء المنصورة بطلا، بينما الخائن والفاقد للإنسانية هو المحقق الذى يسأل عن القيادات التى أساءت تقدير الموقف وذهبت بالنساء والأطفال فى مسيرة داخل منطقة عشوائية مشهورة بالبلطجة وأعمال عنف، وهو يعلم تماما أن الشرطة مجرمة للدرجة التى لن تدفعها لتجاوز الخصومة مع الإخوان، والتدخل لحماية مظاهرات الجماعة، وأنه هو – أى ذلك القيادى- مجرم للدرجة التى تدفعه للسؤال عن تدخل الشرطة لحمايته، وهو يعلم أنه سيشتبك معها بمجرد ظهورها فى كادر الاشتباكات.
الإدانة وحدها ربما تكفيك للحصول على لقب «الناشط الحلو» الذى يحظى برضا الجميع، ولكنها لن تكفى أبدا لإستعادة حقوق الشهداء والمصابين، أنت فى حاجة لأن تعدل فى توجيه تهمة الإجرام لقيادات الإخوان، التى تذهب بمسيرات الشباب والنساء إلى حيث مناطق الموت، بحثا عن صور وقصص للتعاطف، وللفاشل محمد مرسى، والكارهين أنفسهم فى مكتب الإرشاد، لأنهم خلقوا كل هذه الكراهية للإخوان داخل صدور المصريين، أنت مضطر لأن تدرج كل هذا تحت نفس بند الجريمة التى ارتكبتها الدولة بأجهزتها الأمنية، حينما خانت العهد والميثاق وتركت مواطنين مصريين فى مظاهرة دون حماية.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد
رد مختصر
عدد الردود 0
بواسطة:
أسامة محمد
و يتحرى الجهل
عدد الردود 0
بواسطة:
السيد
الظالم والمظلوم
عدد الردود 0
بواسطة:
ياسر فتيح
صدقت