إذا كان إعلان مرسى الاستبدادى هو السبب فى ولادة جبهة الإنقاذ، فإن هذا الإعلان كان أكبر معول هدم فى جدار شرعية مرسى، ومن لحظته بدأت حالة فرز على نحو مختلف، حيث اصطفت جماعة الإخوان وحلفاؤها، فى مقابل اصطفاف للمعارضة من اليمين إلى اليسار، وبلغ الاستقطاب السياسى بين عموم المصريين ذروته، جاءت جبهة الإنقاذ كواجهة تجمع هذا الاصطفاف من المعارضة، وبدأ سقف آمال الناس فيها فى تزايد، فلأول مرة منذ سنوات طويلة يحدث هذا التحالف الواسع، كما أن هذا التحالف لبى نداء، وعبر عن أمل يدور فى نفوس قطاعات عريضة من المصريين وهو أن جماعة الإخوان تكسب من ضعف الآخرين، وأنه لا سبيل إلى هزيمتها إلا بتوحد كل المعارضين لها تحت غطاء سياسى واحد.
رأت قطاعات شعبية واسعة فى ولادة جبهة الإنقاذ أملا جديدا، ويمكن القول بأن الترجمة الفعلية لذلك قد تجسدت فى تلبية المتظاهرين لنداءات الجبهة بالتظاهر، وأدت الاستجابة لتلك المظاهرات إلى قلق إخوانى زاد من هجوم الإخوان الكاسح على الجبهة، ومارست الآلة الإخوانية أبشع أنواع الأكاذيب فى حق قادة الجبهة، وحاولت هذه الآلة أن تضع أسباب سوء الأحوال العامة فى مجرى آخر غير مجراه الطبيعى، وذلك بتحميل جبهة الإنقاذ المسؤولية حيث أنها لا تعطى الفرصة للرئيس فى تنفيذ مخططه وبرنامجه، ووجد هذا الكلام صداه لدى بعض بسطاء الناس.
تماسكت الجبهة فى معركة الدستور، وتعلقت الآمال بأن تبقى موحدة لخوض معركة الانتخابات البرلمانية، وذلك قبل إعلانها مقاطعة الانتخابات، وكان لهذا القرار صدى قوى فى الداخل والخارج، ولم تقرأه جماعة الإخوان بالقدر الكافى، لم تدرك الجماعة أن هذا الموقف يراكم حالة الغضب ضدها، وتعاملت معه بطريقة لا تختلف كثيرا عما كان يفعله نظام مبارك.
وفى الوقت الذى كانت الجبهة محط أنظار العالم الخارجى حيث رأى فيها التكتل المعارض الحقيقى لحكم الإخوان، كان الإخوان ينظرون إليها وكأنها لا تساوى جناح بعوضة، وكانت تلك النظرة تأكيدا على أن جماعة الإخوان تخاصم الواقع، وتنظر إليه باستعلاء، وتمارس معه أعلى درجات الغرور، والدليل أنها لم تتعامل مرة واحدة بجدية مع أى مطلب للجبهة، بدءا من تغيير حكومة قنديل مرورا بإقالة النائب العام المستشار طلعت عبدالله، وكان مبعث غرور الجماعة فى ذلك هو تصورها القائم على أنها وحدها القادرة على الحشد والتعبئة، وهى وحدها التى تملك التنظيم السياسى المنضبط، وبالتالى فإن لجوء جبهة الإنقاذ إلى الحشد فى الميادين سيقابله حشد أضخم، وظل هذا المنطق هو الذى يتحكم فى تفكير الجماعة، ويتحكم فى ردها على أى مبادرة تطرحها الإنقاذ، أو جهة أخرى كما حدث مع مباردة حزب النور.
رفض الإخوان كل مبادرات وأفكار جبهة الإنقاذ، وأغفلوا أن قطاعات من المصريين سلمت لها بالقيادة، لأنها هى الوعاء المطروح فى معارضة حكم الإخوان، هذا بالرغم من مشاكل الجبهة فى التنظيم الضعيف، وجمعها أطيافا سياسية متناقضة مما انعكس على أدائها بالسلب أحيانا.
تلك العيوب سيكون من الظلم أن نقفز بها إلى الدرجة التى نقول معها بأن جبهة الإنقاذ لم تؤد دورها، فحين ندقق فى قراءة مشهد الملايين الذين خرجوا يوم 30 يونيو لابد أن نذكر بالخير جبهة «الإنقاذ» بوصفها الكيان الذى أعطى بولادته أملا فى إمكانية الجمع والحشد، وأصبح خطوة على طريق تراكم النضال ضد استبداد الإخوان.