نبيل شرف الدين

حلاق رابعة

السبت، 27 يوليو 2013 04:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ نحو ربع قرن لا يحلق ما تبقى فى رأسى من شعر سوى هذا الحلاق، تنقلت بين عدة صالونات، وغيرت مسكنى عدة مرّات، لكننى دائمًا كنت أتتبعه، فهو إلى جانب مهارته «ابن بلد»، خفيف الظّل، ونشأت بيننا «كيمياء إنسانية»، وبعد العمل عقودًا لدى أصحاب الصالونات، استأجر محلاً خاصًا به بمنطقة شعبية، ومع ذلك أترك كل المحال الشهيرة، وأحتمل مشوارًا طويلاً ليحلق لى. قبل أيام كنت أحلق عنده فروى قصة مثيرة مفادها أنه قرر الذهاب حيث يعتصم الإخوان فى محيط مسجد رابعة، فاستوقفته اللجان وطلبوا بطاقته وتأكدوا من مهنته وأنه جاء سعيًا للرزق فسمحوا له، بل وكانوا أول زبائنه.
وخلافًا لما يشتهر به الحلاقون فإن صاحبنا لم يكن ثرثارًا، بل كان يجيد الإنصات، وسألهم عما إذا كان اعتصامهم هذا سيُعيد الرئيس المعزول للحكم، وهل يُمكن للجيش أن يتراجع؟، فأجابوه بكل ثقة نعم ولن نغادر المكان حتى يعود، فقال لهم إنه خدم فى الجيش ويعرف أن قادته لا يتراجعون فى قراراتهم، فقالوا له نحن سنجبرهم وسنحاكمهم، أبدى دهشته قائلاً: ماذا تملكون أمام جيش لديه السلاح والجنود، وبلهجة أبناء البلد قال: «أنا رجل بسيط حاصل على دبلوم، ولا أفهم بالسياسة، لكن خلينا واقعيين، فى الجيش كانوا يعلموننا تنفيذ الأوامر ثم نتظلم بعدها»، فقاطعه أحدهم محتدًا: «أمثالك هم الذين يرضخون لأوامر الجيش وقادته الخونة، أما نحن فلا تُهمنا أسلحته ولا ضباطه»، ونظر إليه بريبة قائلاً: «هل أرسلوك لتتجسس علينا؟»، وفتشه وفحص أدواته فلم يجد شيئًا، هنا شعر الحلاق بالخوف والغضب، وقال: «أنا رجل على باب الله، ومليش فى أى حاجة، وتفتشنى وتتهمنى بالتجسس، دعنى أرحل»، فطيّبوا خاطره وواصل عمله صامتًا، حتى استدعوه ليحلق لشخص عرفه فورًا وهو عصام العريان، الذى طلب تهذيب لحيته وقص شعره، بعد أن سأله عن نظافة أدواته ومهارته، فقال إنه يخشى على نفسه قبل زبائنه، ويطهر أدواته بعناية، أما عن المهارة فسأترك لحضرتك الحكم.
أقسم الحلاق الذى أثق بصدقه أنه رأى أحدث أنواع الأسلحة من مسدسات وبنادق مع شباب كانوا بالقاعة التى حلق فيها للعريان، الذى يبدو أنه أعجب بمهارته فكان سخيًا معه، وطالبه بأن يأتى يوميًا، ليتكسب ويشارك إخوانه فى الجهاد، فرد بعبارة مقتضبة «إن شاء الله»، بينما كان اتخذ قرارًا بألا يعود، مهما كانت المكاسب.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة