أنت حتى الآن ترفض الإيمان بأن دائرة الدم مغلقة، والدوران داخلها يتحول إلى فعل إجبارى بعد أو «ضغطة» غير ضرورية على زناد طلقات الرصاص.. أنت فى رابعة العدوية والنهضة تصدق أشرار المنصة وتدفع بنفسك وإخوتك نحو أرض الدم، وأنت فى التحرير وباقى ميادين مصر الغاضبة من الإخوان ختمت بتوقيعك فوق شيك على بياض يدفع أجهزة الأمن والمتحمسين من فريقك إلى السير نحو نفس الأرض الدموية التى يقف فوقها متطرفو الإخوان والتيارات السلفية.
أنت حتى الآن لم تدرك المغزى الحقيقى من ثورتك.. ثورة جيلك فى 25 يناير 2011، لم تدرك أن الانتفاضة المصرية فى جوهرها كانت انتفاضة جيل يبحث عن مستقبل ديمقراطى ضد جيل مصاب بكل أمراض عصر مبارك حتى ولو كان قد وقف ضمن صفوف من عارضه وهتف بسقوطه وقال له كفاية.
أنت حتى الآن لم تدرك جوهر ثورتك ضد نظام مبارك، أو ربما أدركتها حينا ثم ضحك عليك الشيوخ وباقى رموز اللعبة السياسية فى مصر وجعلوا منك عزيزى الشاب وقودا لمعاركهم هكذا الحقيقة تقول.. تقول بأنك عزيزى الشاب تحولت من قائد ثورة فى 25 يناير إلى «خزان دماء» متنقل يستغله هؤلاء الذين يرفعون راية الدين بهتانا وزورا للحفاظ على بقائهم فى صورة السلطة، ويستخدمه هؤلاء الذين رفعوا راية الدولة والوطن والحرية كذبا فى منحهم جزءا من أحلامهم القديمة فى كراسى السلطة قبل أن تلفظ حياتهم أنفاسها الأخيرة بعد أن ضاع جزء ضخم منها فى البحث عن طريقة لهزيمة نظام مبارك دون نتيجة، ثم أتيت أنت لتفعلها فى غمضة عين.
أنت يا ابن جيلى تدفع الثمن وحدك تسقط قتيلا فى رابعة أو فى الإسكندرية أو داخل أقسام العريش، وتتقوقع مصابا داخل أسرة المستشفيات، ويستوطنك الاكتئاب والإحباط منذرا بإعاقتك عن مشوار المستقبل الذى يقف فى انتظار أن تخترقه بقوة وعزيمة.
أنت تدفع الثمن لأنك عجزت عن إدراك جوهر ثورتك التى اشتعلت فى الأساس كإعلان رسمى عن سقوط كل الأفكار الكبرى وانتهاء زمنها، نعم كل الأفكار -شيوعية وأستاذية ومشروع إخوانى.. إلى آخر القائمة الطويلة التى تعرفها- كل هذه الأفكار سقطت، فشلت، استنفذت مرات رسوبها فى عديد من الدول عبر تجارب مختلفة وظروف متنوعة، كل هذه الأفكار استهلكت الناس وجعلت من أجسادهم وأرواحهم وقودا لمعاركها، قامت ثورة 25 يناير فى الأساس لإعلان وفاة هذه الأفكار، ولكنك تغافلت عن المغزى بمعارك صغيرة وسمحت لهذه الأفكار الإخوانية منها والغير بأن تجعل من روحك الشابة وأحلامك الجديدة زادا لاستمرارها، أنت دون أن تدرى وضعت دماءك فى كأس إعادتها إلى مرحلة الصبا، هى فى الأصل مثلها مثل الساحرة العجوز المخيفة الشكل التى تدور فى الروايات بحثا عن عذراء جميلة لتتغذى على دمائها بحثا عن العودة إلى جمال الشباب.
أنت وقفت كحائط صد لمنع رصاصة الرحمة التى أطلقتها ثورة 25 يناير على أجساد تلك الأفكار العجوزة، وحتى حينما أيقظتك صدمة حكم الإخوان المسلمين من غفوتك وأدركت جوهر سعى وسطاء تلك الأفكار الكبرى لاستغلال دمائك كوقود لمعركة بحثهم عن السلطة، وقررت أن تبحث لنفسك عن فكرة مختلفة أو جديدة أو ميدان ثالث جعلت من طريقة الدعوة إليه، طريقة لا تختلف عن تلك الوسيلة التى يدعو بها الميدان الأول «التحرير بعد التعديل» ولا الميدان الثانى «رابعة».. وتدفع دون وعى وتحت تأثير رغبة إعلان براءة نفسك فى اتجاه أن يولد حلم الفكرة الجديدة مشوها لأنك وللأسف لم تدرك بعد أن الميدان الثالث حلم ومشروع وفكرة أكثر من كونه مجرد قفزة أو «نطة» فوق ظهر حصان التوازن الذى يضمن لك رضا الجميع وبراءة مؤقتة تمنحها لنفسك مرة كل ليلة قبل النوم.