د. رضا عبد السلام

ومتى وقفت أمريكا مع الحق؟!

الثلاثاء، 30 يوليو 2013 08:36 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تعجبت كثيرًا من انتظار البعض لظهور موقف واضح من الولايات المتحدة بشأن ما تشهده مصر حاليًا!! ومتى وقفت أمريكا على مدار تاريخها المشئوم مع الحق أو مع الأغلبية أو مع المنطق أو مع القيم الإنسانية؟ لو كانت أمريكا دولة ذات موقف محترم لما وقفت موقفها من الفلسطينين المشردين على مدى أكثر من ثمانية عقود، ولما دعمت المتمردين والخارجين على إرادة الشعوب فى كافة مناطق العالم على مدى العقود الماضية.

أرجو أن يتذكر أحد موقفًا واحدًا مشرفًا للإدارة والحكومات الأمريكية المتعاقبة.. كان الآلاف يقتلون فى البوسنة والهرسك ولم تتحرك أمريكا وأعوانها، فى حين هبت على الفور لإخراج صدام من الكويت!! ليس حبًا فى الكويت ولا فى جمال الكويتيين، ولا إحقاقًا للعدالة أو القانون الدولى، ولكن حماية لآبار النفط، وهذا ما قاله وزير خارجية البوسنة والهرسك بالحرف الواحد آنذاك.

لطالما استخدمت الولايات المتحدة المؤسسات الدولية لتركيع العالم، وليس أدل على ذلك من فيتو مجلس الأمن أو قروض صندوق النكد الدولى!! تجد العالم كله فى جانب والولايات المتحدة فى جانب أو موقف مخالف وكأنهم أصحاب الحكمة والعقل والعلم ومن دونهم جهلاء!!

للأسف الشديد، انتظر البعض موقفًا من أمريكا بشأن ثورة 30 يونيه، أو استجابة لإرادة تلك الملايين، التى خرجت رافضة لحاكم انقلب على إرادة شعب انتخبه بمطلق إرادته.. لم ترضخ أمريكا إلا عندما أظهر شعب مصر عينه الحمراء بانتفاضة 26 يوليو، حيث خرج عشرات الملايين فى الشوارع تلبية لدعوة قائد جيش مصر لمواجهة الإرهاب.

للأسف الشديد، راهن الإخوان – الذين طالما تغنوا بعدائهم لأمريكا – على قدرة الولايات المتحدة على إثناء شعب بأكمله عن تحقيق إرادته. خرج علينا أوباما بعد 26 يوليو بخطاب باهت، فيه إقرار المذعن بما خلصت إليه إرادة شعب مصر، من تحت الضرس كما نقول نحن المصريين.

وموقف أوباما هنا لا يختلف قيد أنمله عن موقفه وموقف إدارته من ثورة 25 يناير، حيث ظلت الولايات المتحدة تلعب على الحبال فى المنطقة الرمادية، حتى أعلن حسنى مبارك عن تنحيه، نزولًا على إرادة الملايين، التى خرجت رافضة لبقائه.. بعد أن أعلن مبارك عن تنحيه خرجت أمريكا بكل مؤسساتها تعلن عن دعمها لإرادة شعب مصر.

هذه هى الولايات المتحدة، التى اعتادت أن تدس أنفها فى شئون الآخرين، بعد أن أعلنت من نفسها عسكرى العالم الأول، ومن لا يرضخ لرغبتها لم ولن ينجو من أذاها، والتاريخ والسجل عامر فى هذا الخصوص.

للأسف تاريخ الولايات المتحدة مع دول العالم، وخاصة الدول النامية هو تاريخ غير مشرف، مهما حاولت المنظمات الأمريكية غير الحكومية تمليع أو تجميل الصورة.. فالشعوب لديها عقول واستطاعت منذ زمن طويل أن تكشف الوجه القبيح للولايات المتحدة، خاصة مع دول الجنوب، وهو أمر أقر به بعض المنصفين الأمريكيين.

أسعدنى كثيرًا مشهد صورة الفريق السيسى إلى جوار صورة فلادمير بوتين.. هذا المشهد له دلالة رمزية، وهو أن شعب مصر يستطيع أن يقول لا، وأن يقف مع من يرى الوقوف معه. بالطبع أنا لا أدعو للارتماء فى أحضان هذا أو ذاك، لأن مصر وشعبها المبهر أقدر على أن يقودوا العالم لا أن يكونوا توابع.

أحزننى كثيرًا ما فوجئت به فى فيديو مسرب لاجتماع مكتب الإرشاد قبل انتخاب مرسى رئيسًا، حيث عكف الدكتور مرسى على التأكيد فيه أن الولايات المتحدة تدعمنا ولن ترفضنا كجماعة مثلما رفضت حماس وأن هناك تفاهما بيننا وبينهم، وأننا فى الجماعة طمأنا الأمريكان بشأن اتفاقات مصر مع إسرائيل، وأننا متعهدين بها وكأنهم يعدون لحكم الولايات المتحدة لا حكم مصر!!

كل هذه التنازلات لنيل شرف رضاء أمريكا؟! فيال العار وأى عار بعد هذا، خاصة أنهم فى العلن وأمام الناس يعلنون أن أمريكا هى عدوهم الأول ولابد من إعلان الجهاد لمواجهتهم!!

يا أحبتى، كان القرن العشرون هو قرن الولايات المتحدة مثلما كان القرن التاسع عشر هو قرن أوروبا، ولكن المؤكد تمامًا هو "أن القرن الحادى والعشرين، الذى نعيشه ليس قرن أمريكا وأوروبا ولكنه قرن آسيا ودول الجنوب الناهضة". هذا أمر لا أقوله الآن كردة فعل لموقف أمريكا من ثورتنا، ولكنى وصلت إليه بعد دراسة تأصيلية أنجزتها عام 2009م وتحديدًا عقب الأزمة العالمية 2008. فقد تأكد لى على وجه اليقين بأن دفة قيادة العالم تتحرك تدريجيا نحو الشرق، وأنه لولا دعم الشرق للولايات المتحدة لما خرجت أمريكا من أزمتها. إنها سنة الله فى كونه ولن تجد لسنة الله تبديلًا.

وأخيرًا أقول للولايات المتحدة وقادتها ومسئوليها العظام، واضح تمامًا أنكم لم تتعرفوا جيدًا على شعب مصر، الذى صبر كثيرًا على حيلكم وأفعالكم. إذا كنتم بحق تريدون علاقات جادة مع مصر الجديدة عليكم أن تدركوا أن شعب مصر لا يباع ولا يشترى وأن إرادته فوق أى إرادة.. تاريخنا حافل بالحروب للدفاع عن أنفسنا وعن هويتنا وعن قرارنا، فأرجو أن تعوا الدرس جيدًا، فكل ما نريده هو علاقة جادة وندية ومتوازنة، تحفظ لمصر قدرها ووزنها، لأن شعب مصر عاد بالفعل لا بالقول ليقدم رسالته للعالم. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.
*استاذ بحقوق المنصورة









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة