الفرحة العارمة التى لونت ميادين مصر كلها أول أمس الأربعاء 3 يوليو 2013 فور إعلان الفريق أول عبد الفتاح السيسى بيان القوات المسلحة بعزل الرئيس يجب ألا تنسينا البحث عن الأسباب التى أدت بمصرنا العظيمة إلى السقوط فى مستنقع حكم جماعة الإخوان المسلمين، حتى لا نكرر أخطاء الماضى، وحتى يمكن أن نحشد جهود كل المصريين بمن فيهم شباب الجماعة من أجل بناء مصر الجديدة.. مصر الحرية والعدل.. مصر المسلمين والأقباط.. مصر الساعية للتقدم.. مصر العاشقة للحياة.
علينا فى البداية الاعتراف بأن نظام حسنى مبارك لعب دورًا بائسًا فى تدمير الحياة السياسية، وتقزيم الأحزاب ذات التوجهات المدنية والتنويرية الحديثة، الأمر الذى يسر على جماعات التأسلم السياسى وتجار الدين الوصول إلى عقول الشباب المحبط واليائس بكل سهولة، فلما قامت ثورة 25 يناير 2011 لم يجد الشعب ما يفعله بعد إطاحة مبارك ورجاله، فلم نحدد بالضبط خطوات المرحلة المقبلة، ولم ننتبه، نتيجة سذاجتنا السياسية، إلى مكر الإخوان المسلمين أصحاب التنظيم الحديدى الطامعين فى قطف السلطة فى مصر بأى ثمن.
أجل.. وصل الإخوان إلى السلطة بعد أن أخفق الشباب والشعب فى الالتفاف حول مرشح واحد للثورة، واضطر ملايين المصريين إلى عصر ليمون على أنفسهم ليختاروا الدكتور محمد مرسى رئيسًا للبلاد فى مواجهة الفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء مبارك، لكن لا الدكتور مرسى ولا جماعة الإخوان التى يمثلها استطاعوا أن يفهموا الشعب المصرى فى مجموعه ويلبوا أشواقه للحرية والعدل، فانتفض الناس ضدهم وأسقطوهم فى النهاية وذلك للأسباب الآتية:
• فى ظنى أننا نحن المصريون لا نكره شيئًا قدر الغدر والكذب خاصة إذا جاء من حاكم، والدكتور مرسى وعد كثيرًا ولم يف بوعد، والجماعة كذبت كثيرًا ثم غدرت بالشعب وحاولت بكل السبل الاستحواذ على مفاصل الدولة.
• أشاع الدكتور مرسى وجماعته ثقافة القسوة والكراهية فى المجتمع المصرى من خلال إفساح المجال للقتلة السابقين بالتواجد والحضور على الساحة السياسية، ولم يبد الدكتور مرسى أى انزعاج حين وصف رجاله من القتلة معارضيه بالكفار والأنجاس! كما لم يتأثر عندما تم قتل أربعة من الشيعة المصريين على يد مجموعة من الجهلة ضيقى الأفق الذين تأثروا بدعوات التحريض والكراهية التى تبثها قنوات دينية متطرفة.
• نسى الدكتور مرسى وجماعته ومناصريه أننا نحن المصريون شعب وسطى وطيب ويمتلك قدرة خارقة على استيعاب الآخرين مهما كانت دياناتهم وعقائدهم وجنسياتهم، فلم يحاولوا فرض آرائهم فقط وإزاحة الآخرين واتهامهم بالكفر فحسب، بل الدعوة إلى قتلهم أيضاً، (تذكر التصريحات الدموية للعريان والبلتاجى وصفوت حجازى وعاصم عبد الماجد ووجدى غنيم وخالد عبد الله وغيرهم.. أولئك الذين صرخوا طالبين بقتل وسحق المعارضين ورشهم بالدم!).
• تبقى قضية الجهل القابع فى فكر الجماعة، فهى حكمت بلدًا لم تعرف طبيعته ولم تحاول أن تفهمها، فالشعب المصرى يعرف الله سبحانه وتعالى منذ آلاف السنين، وقد استقبل الديانات السماوية الثلاث على أرضه بكل حفاوة وترحاب، وأدرك أن عبادة الله فى السماء لا تعنى مخاصمة الحياة الأرض، لذا حين ظهر رجال الجماعة وأصدقاؤهم بملامحهم الجهمة ولحاهم المخيفة يتوعدون المصريين ويروعونهم زاعمين هذا حرام وذاك حلال، نفر منهم الناس وانفضوا من حولهم، لأن المصريين الذين يعبدون الله ويحفظون آيات القرآن الكريم يعشقون، فى الوقت نفسه، الحياة فيكتبون ويرسمون ويغنون ويمثلون ويكتبون الشعر والرواية والمسرحية، وكل هذه الأمور يراها تجار الدين من المحرمات (تذكر الذين غطوا تمثال أم كلثوم فى المنصورة، وقطعوا رأس تمثال طه حسين فى المنيا).
• أما أكبر أكاذيبهم التى اكتشفها الناس طوال هذه السنة الكبيسة أنهم مجموعة من الفشلة، فلم يستطيعوا أن يحققوا أى تقدم على مستوى حياة الناس اليومية، فزادت أحوال الملايين بؤسًا، ورأينا لأول مرة الطوابير على محطات السولار والبنزين، وتراجعت القيمة الشرائية للجنيه المصرى أمام الدولار، فضلاً عن أن مرسى وحكومته استدانوا من الخارج طوال عام واحد عشرين مليار دولار، فى حين أن نظام مبارك البائس استدان 34 مليار دولار فى 30 سنة! كما وضح للناس أن سياسات الجماعة تتبع تمامًا سياسات أمريكا وحليفتها إسرائيل، رغم أنهم صدعوا رؤوسنا طوال عقود بأن أمريكا هى الشيطان، فلما قبضوا على السلطة انصاعوا أمام أمريكا وإسرائيل انصياعًا. (هل علمت الآن سر وصف بعض أجهزة الإعلام الأمريكية ثورة الشعب المصرى بالانقلاب؟)!
لهذه الأسباب وغيرها انتفض الناس وخرج أكثر من 30 مليوناً مصريًا فى 30 يونيو يطالبون بإسقاط مرسى وجماعته، وقد نجح شباب تمرد المدهش فى جمع الناس حول هدف محدد، ويبقى الآن النظر إلى المستقبل وكيف يمكن لنا إدارته من أجل تحقيق مصالح الغالبية العظمى من ملايين هذا الشعب الطيب.
ألف مبروك عودة مصر إلينا من أولئك الذين خطفوها.