استقر فى القانون الدولى مبدأ مهما جداً هو عدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول، وارتبط هذا المبدأ بحق جماعى للشعوب، هو حق تقرير المصير الذى كان الملاذ للتحرر من ربقة الاستعمار لشعوب كثيرة، لكن يبدو أن الدول الاستعمارية القديمة أرادت أن تعود مرة أخرى لتخلق حالة من التبعية للدول التى كانت ضمن سلطتها، ينطبق هذا على تركيا بالأساس، والتى تعمل على العودة مرة أخرى للإمبراطورية العثمانية، لذلك فهى تعمل بلا كلل لتنصب نفسها قائدا للإقليم.. فالتدخل التركى فى سوريا الذى يؤدى الآن إلى انقسام الدولة السورية إلى دويلات يعطى للأتراك القدرة على السيطرة والهيمنة، وكذلك تمدد هذا الدور فى كل من ليبيا وتونس ومصر عبر علاقات خاصة وداعمة للإخوان المسلمين. يفسر هذا الموقف التركى من الثورة المصرية فى 30 يونيو التى عزلت الرئيس مرسى. ولا يعمل الموقف التركى فى فراغ، لكن من خلال عضوية تركيا فى حلف الناتو، فهى تستأثر بدور الوكيل الإقليمى عن منطقة الشرق الأوسط بعد تفتيت المنطقة وتحويلها لمنطقة تتنازع فيها القوى على أساس دينى ومذهبى، سنى شيعى.
وفى الحقيقة فإن النظام الذى جاء بعد ثورة يناير حقق هذا بسهولة للأتراك، وأصبحت الرحلات المكوكية بين القاهرة وإسطنبول لمسؤولين مصريين، وتقديم تسهيلات كبيرة للأتراك فى إطار اتفاقيات التجارة الحرة البينية بين البلدين، وتعزيز دور رجال أعمال محسوبين على الإخوان عبر وكالات تجارية، ومنطقة صناعية تركية، كل هذا سهّل كثيرا للأتراك الفهم بأن مصر تدور فى الفلك التركى، وبالطبع لتحقيق المصالح التركية على حساب مصر وقيادتها للإقليم، بمعنى أن القيادة المصرية الضعيفة والمترددة التى حكمت بعد ثورة يناير سلمت بالتبعية للدولة التركية، لذلك جاءت ثورة 30 يونيو كالصاعقة على أردوغان، حاكم تركيا وسلطانها الجديد، فسخر كل إمكانيات تركيا الدبلوماسية للقضاء على الثورة، ومحاولة إعادة عقارب الساعة للوراء.
صحيح أن فشل النظام فى تقديم أى حلول للأزمة فى مصر، والعمل على إقصاء القوى السياسية المصرية التى رأى أنها قد تشكل قيدا على سياسات التبعية للقوى الدولية ومنها تركيا أدت إلى أن ينحو النظام أكثر إلى الاستبداد والديكتاتورية، فصدر الإعلان الدستورى الذى أعطى للرئيس صلاحيات لا معقب عليه من أى جهة قضائية أو سياسية، ثم إصدار دستور يعبر فقط عنه حزبه والمتحالفين معه..
ساهمت الإدارة الخاطئة للشأن المصرى فى انهيار النظام بأسرع مما يتخيل أحد، بما فى ذلك سلطان تركيا.
وبالطبع الموقف التركى كان متوافقا مع الإدارة الأمريكية التى اعتمدت تركيا كوكيل إقليمى فى منطقة الشرق الأوسط، وقائد للمعسكر السنى الموالى للولايات المتحدة، لذلك كان الموقف الأمريكى فى الحقيقة ملتبسا من الثورة، وبات يدور حول توصيف ما حدث فى مصر.. الثورة المصرية وهى تنادى بالحرية، تعنى الحرية للإنسان المصرى من كل القيود، وتمتعه بجميع الحقوق المدنية والسياسية، وغيرها من الحقوق المنصوص عليها فى المواثيق الدولية، وأيضاً تحرير مصر من التبعية لأى قوى دولية، لذلك نقول لهم إن المصريين شعب حر لا يقبل التدخل فى شؤونه، وثورته للتحرر من التبعية، سواء لقوى إقليمية أو قوى عظمى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة