ترتفع أصوات داخل الحكومة المؤقتة للدعوة إلى حظر جماعة الإخوان المسلمين، أهم تلك الأصوات صوت وزير التضامن الاجتماعى الذى نادى من قبل مرات عديدة بضروة حظر جماعة الإخوان المسلمين، ويبدو أنه أقنع بذلك رئيس الوزراء حازم الببلاوى الذى تحدث هو الآخر عن أن الحكومة تدرس مسألة حظر الإخوان المسلمين. الإخوان المسلمون وحلفاؤهم قوة كبيرة فى المجتمع، ولهم متعاطفون كثر فى الريف والدلتا والصعيد ومحافظات الحدود، بل إن كل قرية ونجع لهم مناصرون فيها، ومن ثم فإن سبيل الحظر لن يحقق أمنا ولن يحل مشكلة. حل المشكلة هو الدخول فى تفاوض وحوار مع القوى المعتدلة ذات الطابع الإصلاحى التى تقبل بالتفاوض لإيجاد سبيل لاستيعاب الإخوان المسلمين داخل الدولة المصرية. لا بد لنا من الاعتراف بأن الإخوان المسلمين وحلفائهم والقوى السلفية فى المجتمع يحظون بنسبة لا تقل عن ربع المجتمع، وأقصد هنا القوى المتدينة فى المجتمع، وهنا سندخل الجماعة الإسلامية والجبهة السلفية وحزب النور وغيرها من تلك القوى التى استطاعت أن تحصل على الأغلبية فى كل الانتخابات التى جرت فى البلاد حتى اليوم. ومن ثم لا يجب أن نستمع لتلك الأصوات التى تعبر عن ما يمكن أن نطلق عليه «العلمانية الأصولية»، لأن الأصولية ليست فقط دينية، وإنما الأصولية قد تكون علمانية وهى تلك التى ترفض الآخر الدينى.
ثورة 25 يناير وقيمها أكدت معنى أن مصر لكل المصريين، وأن مصر تتسع لكل أبنائها بلا تمييز أو تفريق، كما أكدت على معنى التسامح والانفتاح وأن الحظر وخنق الأصوات المعارضة ليس سبيلاً مناسباً لإخفائها، بل السبيل الصحيح هو منحها حق المشاركة والتعبير عن نفسها بحرية واختبار ما تطرحه بحيث يكون الحكم للجماهير وللشعب. الحلول الأمنية فى مواجهة المشاكل ذات الطبيعة الاجتماعية والسياسية لن تكون سبيلاً صحيحاً على المدى المتوسط والقصير، فالحل الأمنى قد يكون مغرياً على المستوى اللحظى، ولكنه لن يكون مفيداً على طول الخط. حظر الإخوان المسلمين لن يكون سبيلاً لحل مشكلتهم كما يتصور القائمون على الحكم الحالى، وإنما فتح الباب للحوار معهم، ودعوتهم للمشاركة هم والقوى الإسلامية المتحالفة معهم من أحزاب أخرى مثل الوسط والبناء والتنمية والوطن والراية والأصالة والعمل. وقد انطلقت أصوات ليبرالية تتحدث عن ضرورة حظر حزب النور هو الآخر، وهذه الأصوات الأصولية تدفعها المشاعر والغرائز وتصفية الحسابات، بينما اللحظة الحاضرة تحتاج منا جميعا للارتفاع عن الصغائر والضغائن الشخصية والخلافات الضيقة، لنكون على مستوى تحقيق مصلحة بلادنا. لا يجب على الأصوات المنتشية بقمع الإسلام السياسى، أن تبالغ فى اندفاعها، عليها أن تتواضع وتعرف أن هذا الوطن للجميع، وأن هذه القوى المقموعة الآن كانت بالأمس فى السلطة وكنا ننقدها، ولن تستطيع جماعة واحدة أو قوة واحدة أن تقوم بعبء هذا الوطن، مصر لكل أبنائها بما فى ذلك الإسلاميون، وأى نظام سياسى يعتمد الحظر فلن يكون معبراً عن قيم ثورة 25 يناير التى ستنتصر فى النهاية، أفكار الحظر والمنع لم تعد مقبولة فى عالم انهارت فيه الحدود وتلاشت فيه قدرة الدولة وحدها أن تفعل داخل حدودها ما تريد، لا يجب على اللحظة الحاضرة أن تحول بيننا وبين رؤية مستقبل بلدنا الحقيقى وهو مشاركة الجميع فى صنع مستقبل هذا الوطن.