بخروج جماعة الإخوان من الساحة السياسة نتيجة إصرار قادتها على تصعيد المواجهة ضد المجتمع ومؤسسات القوة (الجيش والأمن) بدا أن مسرح الصراع انتقل من معادلة (إسلامى ـ مدنى) لصيغة جديدة هى (مدنى ـ مدنى) وكانت استقالة البرادعى بمثابة الشرخ الأول فى المعسكر المدنى، فاستقالته من الحكومة لم يؤثر عليها، لكنها فجّرت صراعات بين مؤيدى رؤيته التى تتبنى ما يسمى (الميدان الثالث) ومعارضيه الذين بلغت خصومتهم لدرجة تقديم بلاغ يتهمه بالخيانة، بما يكشف شراسة الصراعات المتوقعة بين المرجعيات الأيديولوجية المتباينة التى يتشكل منها التيار المدنى، والذين جمعتهم خصومة الإخوان، ليفرقهم الارتداد للانتماءات السياسية من أقصى اليمين الليبرالى، حتى اليسار الراديكالى.
ويبدو هزليًا ذلك الحديث عن (ميدان ثالث) يتبناه نفر قليل من الساسة والنشطاء المدنيين لاحتواء الإسلاميين الذين لم تتلطخ أياديهم بالدماء، ويسلمون بالواقع السياسى الجديد، وهؤلاء بتقديرى "أقلية مجهرية"، ستواجه بالنبذ والرفض من صقور الإسلاميين والمدنيين معًا، فحديث (الميدان الثالث) يشبه اللغو الفارغ عن (الطرف الثالث) فكلاهما مجرد أكذوبة، ولعل "فحش الخصومة" بين دعاة هذا الطرح والقاعدة العريضة من شباب الثوار المدنيين يؤكد أن حربًا شرسة داخل التيار المدنى تدق طبولها، بدأت بتقييم موقف البرادعى وامتدت لخلافات عميقة حول تعديلات الدستور، وصولاً لليسار الراديكالى الذى يتبنى موقف مناوئة للقوات المسلحة والتشكيك فى نواياها لدرجة الاصطفاف مع الإخوان مما يُثير حفيظة غالبية المدنيين.ورغم استمرار المواجهات الميدانية ضد الإسلام السياسى، فإننى أرصد خلافات تُعبّر عنها آلة التخوين والمزايدات التى انطلقت بأقصى طاقتها بين يساريين راديكاليين، ويمين ليبرالى يتهمهم بالمراهقة السياسية، فيردون عليهم بفزّاعة "موالاة الفلول" ومهاترات أخرى.
ثمة معضلة أخرى تتمثل بمستقبل النخبة السياسية المدنية التى أتصور أن التطورات الأخيرة وضعتها على المحّك أن لم تكن لفظتها، فهناك جيل جديد خرج من رحم الأزمة، لا يتورع عن انتقادهم بشراسة، وتوجيه الاتهامات المغلظة لهم، والتى تُعبّر عن عمق الفجوة بين النخبة الشائخة والقواعد الشعبية.
ستنتهى المواجهات الأمنية ضد الإخوان وأنصارهم، لكن فى الجانب الآخر سيرتد المدنيون للانتماءات السياسية والمنطلقات الأيديولوجية القادمين منها، وهذا لا يزعجنى شخصيًا، ففى التجارب الديمقراطية هناك يمين ويسار وبينهما طيف واسع من المرجعيات المتعددة، لكن الخطير هنا هو الفشل فى إدارة الصراع السياسى، فقد أثبتت خبرات متراكمة أننا نتقن الاتفاق حينما يتعلق الأمر بخطر داهم كالإسلام السياسى، لكننا فاشلون وفاشيون فى إدارة خلافاتنا، فلن يتورع كل فصيل فى التنكيل بخصومه واغتيالهم معنويًا، فكل المؤشرات تُفضى لهذا المشهد المأزوم، خاصة فى ظل حداثة عهد الشارع بقواعد اللعبة السياسية، وأدعو الله تعالى أن تخيب ظنونى.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
fayez
الاحباط
عدد الردود 0
بواسطة:
alialidochnoor
اوهام
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن
من السذاجة أن تظن خروج التيار الإسلامى من الساحة السياسية
عدد الردود 0
بواسطة:
داود المصري
تحليل سليم