ناجح إبراهيم

وأمنعهم من ظلم الملوك

الأربعاء، 28 أغسطس 2013 02:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حدث الصحابى المستورد بن شداد، رضى الله عنه، فى مجلس كان فيه عمرو بن العاص، رضى الله عنه، أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس».. فقال له عمرو بن العاص، رضى الله عنه: «أبصر ما تقول».. أى تأكد هل سمعت هذا من رسول الله، صلى الله عليه وسلم.. قال أقول ما سمعت من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس».. فقال عمرو بن العاص، رضى الله عنه، أما لئن قلت ذلك إن فيهم خصالا ً أربعا: «إنهم لأحلم الناس عند فتنة.. وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة.. وأوشكهم كرة بعد فرة.. وأرحمهم لمسكين ويتيم وضعيف.. وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك».

دهشت عندما قرأت هذا الحديث أول مرة منذ عشرين عاما.. تأملته طويلاً فى المعتقل.. كتبت عنه كتيبًا صغيرًا ودرسته لتلاميذى الذين كانوا يفدون إلى المعتقل وفدا وراء وفد، فلا يكاد ينقطع قدومهم إلى المعتقل.. كان الجميع يعجب به وله، ويتأثر به، ويستغربه كذلك.

رسول الإسلام يقرّ أن الروم سيكونون أكثر الناس عددا ومنعة وقوة عند قيام الساعة، وأظنه يقصد بذلك العالم الغربى المسيحى، وحينما سمع عمرو بن العاص هذا الحديث عجب، حتى تأكد من صدقه، وبعدها أخذ يعدد الأسباب التى جعلتهم أقوى الأمم وأكثرها شكيمة وبأسا وعلما وتقدما، لأن عمرو بن العاص كان أكثر الصحابة التصاقا بالروم، وذهابا إلى بلادهم، وتفاعلا معهم، فقد جاب الرجل كل بلاد الأرض تقريبا تاجرا وقائدا عسكريا مرموقا.. لقد كان ابن العاص عارفًا بأخلاق الروم، ونفسياتهم وخصالهم، وانطلق من ذلك إلى تفسير وتحليل حديث الرسول، صلى الله عليه وسلم، وكأنه مركز دراسات إستراتيجية.

سبحان الله، عمرو بن العاص يعدد خصال ومميزات الروم الذين حاربهم وهزمهم واستلب منهم أعز بلادهم فى مصر والشام.. إنه الإنصاف للآخرين.. إنه العدل مع الخصوم.. إنه إعطاء كل ذى حق حقه.. الصحابى الشجاع ابن العاص يصف خصومه بالآتى: أولا «إنهم لأحلم الناس عند فتنة».. فلا تذهب عقولهم، ولا يطيش فكرهم، أو يفقدون اتزانهم عند الفتن والملمات والأحداث الجسام والحروب أو النكبات، ثانيا «وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة».. فيخرجون من الحروب الكبرى المدمرة وقد استعادوا مكانتهم الحضارية، وأعادوا أبناء دولهم، وصححوا أخطاءهم، واستفادوا من دروس محنهم. ثالثا «وأرحمهم لمسكين ويتيم وضعيف».. والحقيقة أن بلاد الغرب لا تكاد تجد فيها جائعًا أو فقيرًا أو يتيمًا دون رعاية، فى الوقت الذى تجد بلاد المسلمين الغنية بالموارد تعج بمن لا يجد طعاما ولا حياة كريمة رغم عظمة الإسلام فى تعاليمه الاجتماعية، فهناك حقًا إسلام بلا مسلمين، وعندنا مسلمون ناقصو الإسلام. رابعا «وأوشكهم كرة بعد فرة».. فهم سرعان ما يستعيدون قوتهم، ويكرون على عدوهم مرة أخرى بعد الهزيمة. خامسا، يصفهم بقوله «وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك».. آه يا عمرو، وكأنك تقرأ واقع الغرب، حيث لا يظلم الحاكم رعيته، ويعتبر نفسه خادماً لهم، وما أعظم كلمتك وأنت تختم صفاتهم بقولك: «وخامسة حسنة جميلة»، وكأن هذه الصفة هى أعظم ما لديهم وأجملها، وهى التى تأتى بالأخرى وتحفظها، فالعدل أساس الملك.. أما أمة العرب التى أنزل عليها القرآن، وتقرؤه صباح مساء حكامًا ومحكومين، فتعيش فى ظلم وبغى الحكام عصرا وراء عصر، وتنتقل من ظلم إلى آخر، ومن بغى إلى بغى.. آه يا ابن العاص.. تعال الآن مرة أخرى إلى مصر لتعلم شعبها المنكوب الإنصاف من النفس وللغير، وللآخر، والخصوم.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة