د.أحمد فؤاد أنور

سياسة " مزيكا"

الجمعة، 30 أغسطس 2013 10:28 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لابد للمرء أن يراجع مواقفه كل فترة، فقد يندفع أحدنا نتيجة الانفعال أو التسرع أو الرغبة فى الانتصار فى جدل مع صديق أو قريب أو انتزاع تصفيق جمهور متحمس، لكن فى وضع السكون والهدوء وبعد ربط التفاصيل ببعضها تظهر حقيقة مغايرة.

مناسبة الحديث هى مواقف اتخذها كاتب هذه السطور مبكرا من جماعة الإخوان المسلمين وسياساتهم فقد انتقدت تلك السياسات وتحفظت عليها وعارضتها بقدر المستطاع وحان الوقت للاعتراف بأن تلك السياسات الإخوانية تجاه الترشح للانتخابات وتجاه الحملة الانتخابية والوعود المواكبة لها والسياسة التى تم اتباعها إزاء العملية الديمقراطية برمتها، والسياسة المتبعة مع الغرب وإسرائيل، وكذلك السياسة التى اتبعها مع أزمة رابعة ليست كلها خاطئة تماما..فبعد المراجعة بهدوء يتبين لى أنها بالفعل "كارثية" على الجميع، وأقرب لسياسة المرحوم نجاح الموجى حينما كان يجسد شخصية "مزيكا" صبى الجزار فى مسرحية المتزوجون. تلك السياسة التى لم تنتفض لتزوير هنا أو تلاعب هناك فى العملية الانتخابية "احتراما للصناديق"، ولا التزمت بوعود، بجانب أنها لم تدر البلاد بضمير يسمح بتعاطف ومساندة قطاع عريض حتى ممن انتخبوهم لدرجة أن حينما تم حل مجلس الشعب فرح الناس فالكل شاهد النائب الذى شكى من أنه طلب الكلمة منذ شهر ولم يحصل عليها لدرجة أن زوجته طالبته بالجلوس معها لمشاهدة الجلسات فى التليفزيون طالما أنه لم يتكلم وحينما حل عليه الدور سمح له الكتاتنى بأن يقول كلمة "موافقة" فقط دون أن يبدى رأيا فى أى موضوع(!) (رأينا فى هذا نسخة باهتة من "سرور" ونسخة باهتة من نائب حزب وطني). تألمنا من سياسة مزيكا التى أدت لمقتل واصابة العشرات عند أسوار الاتحادية ناهيك عن التعذيب ومحاولة التلفيق لكل من لا ينتمى لميليشيات الأهل والعشيرة. وعند اكتمال النصاب الرائع فى الموجة الثانية للثورة، بل ووخروج عشرات الملايين هادرة اتبعت الجماعة سياسة مزيكا حتى النهاية بعد خلطها بسياسة الانكار والعناد والفشل فى تقليل الخسائر. وتبنت قيادة الجماعة سياسة تتسم بقدر كبير من التناقض والكوميديا فهى تقدم نفسها لدقائق فى دور "المخوفاتي" المرعب المستقوى بأمريكا، وبعد ذلك سرعان ما تقدم ذاتها بنفس الوجوه دور الضحية المعتدى عليها، تلك السياسة التى اتخذت وقودا لها أرواح الابرياء سواء من الشرطة أو من الذين الذى كانوا بمثابة دروع بشرية فى وجه قطار هادر على أمل أن تحدث معجزة ولا يصابوا بأذى، أو كأبرياء يقيمون فى وكر لعصابة من تجار المخدرات دون أن يدركوا أن ذلك فى حد ذاته جريمة يعاقب عليها القانون –تستر على جريمة- ناهيك عن أنه يعرض الأبرياء لنيران قد تنطلق فى أى لحظة من جانب العصابة أو جانب الشرطة وبالتالى سيكون أول من سيسقط فى أى اشتباك هم الأبرياء غير المدربين وغير المنتمين تنظيميا لحملة السلاح.

سياسة مزيكا يجب تجنبها الآن أيضا لأن الجبهة العريضة التى تشكلت فى 30 يونيو وما تلاها والتى يسميها د. مصطفى حجازى "التيار الرئيسي" ويسميها الكثيرون "حزب الكنبة" تنتظر أن يتقدم ممثليها ليلعبوا دورا أساسيا فى رسم حدود الملعب وفى إدارة مرحلة حاسمة من عمر الوطن، وفتح باب الأمل أمام الناس، يجب ألا يتم ترك الساحة دوما خالية ترتع فيها رموز نظام ثبت فساده أو على الأقل تعايشه مع الفساد، يستخدم التطرف الدينى كفزاعة ويستغل إلمامه وخبرته فى "تظبيط الصناديق" وتشويه وإرهاب المنافسين، من خلال تحالفات قديمة جديدة أو عملية إعادة تغليف لكيانات ثبت تلونها وقبولها دوما للفتات من أى نظام، وكأنها ادمنت دور "السنيد" دون أن تتصدى لدور البطولة وتبادر للتقدم للصفوف الأولى وتقود الجماهير.

التعامل الآن مع الرأى العام الغربى أيضا يجب أن يدير ظهره لسياسة مزيكا فيجب البناء على افتراضية أن ليس الجميع متآمر ومعادى فى الغرب وأن هناك بالفعل من لا يفهم جيدا ما حدث فى ظل ضعف أداء المؤسسات المصرية التى تخاطبه وتصر على الخلط بين "الإعلام" و"الإعلان"، وتتعامل مع المراسلين الأجانب فى مصر وكأنهم موظفين يعملون لدينا على الدرجة الثالثة أو فى أحسن تقدير كأن كل واحد منهم مجرد "موصلاتي" لا صاحب رأى يخوض منافسة مع وسائل إعلامية أخرى داخل بلاده وخارجها.

لقد اعترف "مزيكا" فى أكثر من مناسبة فى المسرحية الشهيرة بأنه "عيل"، وثبت لكل ذى عينين أن رؤيته للأمور سطحية وفاشلة فلا يجب أن نتبنى خطه الفكري.. مصر تحتاج لأوركسترا مخلص للثورة ومحترف..ولا تحتاج أبدا لمزيكا وسياسته.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة