انطلق يضحك بعد أن وضع الصحف القديمة التى يحملها على مقعد مجاور له بالمقهى، لاحظت أن ضحكته اليوم قوية أكثر من أى وقت وطويلة، حتى إنه راح يسعل بشكل متواصل أخافنى عليه، لكنه شرب قليلًا من الماء وقال الحمد لله فقلت: لماذا تضحك على هذا النحو، أنت حتى لم تكد تجلس؟
- رأيتك فى أكثر من قناة تليفزيونية وأشفقت عليك.
دهشت لكنى ابتسمت وسألته: هل قلت شيئا لم يعجبك؟
- لا طبعا، أنا أعرف ماذا ستقول قبل أن تقوله، هذا العمر الذى مر بنا جعل كلا منا كتابا مفتوحا للآخر.
- إذن قل لى ما المضحك فى الأمر؟
- لم يتركك مذيع ولا مذيعة إلا وسألك هل يمكن أن تكتب رواية عما يحدث وكيف تصور شخصيات قيادات الإخوان المسلمين.
ابتسمت وقلت: فهمت.. سؤال حقيقى خاصة أنهم يعرفون أن الجالس أمامهم يكتب القصة والرواية.. سؤال متوقع، لكن لم تقل لى ما المضحك فى المسألة؟
- المضحك هو اجابتك التى قلت فيها انهم، هؤلاء الإخوان المسلمين، فاقوا أى خيال.
- طبعا.. سواء من ناحية الكذب أو من ناحية السلوك، فى الوقت الذى فاقوا فيه اى غباء فهم لم يقدموا شيئا ذا قيمة للشعب خلال عام حكمهم، والأهم كيف حقا لم يفطنوا إلى أن الجيش والداخلية ستأتى لحظة يتخلون عنهم فيها، لكن ما المضحك فى هذا أيضاً؟
- المضحك هو تشبيهك لقياداتهم بالوحوش التى تخرج لتقطع الطريق على الناس فى الاساطير القديمة، وتبدو أمام الناس قوية جدا حتى ظهر من يكشف لهم عن ضعفها الشديد وهشاشتها، شخص مثل هرقل مثلا أو جيسون، أعجبنى ذلك. سكت قليلا، لكن ايضا ليس هناك ما يضحك فى كل ما قيل الآن، وبدا أنى لن أتكلم فقال: أعجبنى قولك أنهم مثل كائنات فضائية نزلت علينا من كواكب شريرة، ستختفى لكن بعد أن تملأ الأرض خرابا، وانهم حتى ليسوا فى رقة إى تى!
قلت فى أسف: رغم أنى قلت ذلك فأنا حزين، كنت أتمنى أن يكونوا غير ذلك، أن يملأوا الدنيا عدلا او حتى يبدأوا فى العدل، هم لم يفعلوا شيئا ولم يعترفوا بعجزهم، لو اعترفوا بعجزهم وطلبوا تعاون الآخرين معهم ما جرى ما جرى.
- أنت تبحث عن أشياء وهمية، أبناء الطائفة لا يعترفون باى عجز، ولا يرون الآخرين إلا كفارا من خارج الطائفة لا يستحقون الحياة هذا كلامك.
ابتسمت، قلت: إذن انت معى فى كل شىء، طيب ها رأيت خطاب محمد البلتاجى فى قناة الجزيرة، لم تقل لى رأيك فيه.
- كاذب طبعا فى كل ما قال، جعل من الإخوان المسلمين ملائكة لا يمكن لهم استخدام العنف، طيب من الذى استخدم العنف عند قصر الاتحادية وفى مسجد بلال بن رباج فى المقطم وفى مسجد القائد ابراهيم وفى المنيل.
- لا تحدثنى عن المنيل لأنى كنت هناك ورأيت الرصاص ينزل على الناس من مئذنة جامع صلاح الدين، كانت ليلة ليلاء.
هز رأسه وقال: تعجبنى ثقتك انهم إلى زوال.
- طبعا، لأنه الشعب هذه المرة وليس النظام الحاكم، إذا كره الشعب شيئا لا يعود اليه أبدا، كذلك هذه نهايات الطوائف الدينية التى تعمل بالسياسة دائما.
- طيب ماذا تنتظر اليوم 30 أغسطس؟
- سيكون يوما عاديا، ستقع حوادث طبعا بينهم وبين الشعب، سيحاولون اظهار السلمية لأقصى مدى فى محاولة لتكذيب الحقيقة لكنهم حتى آخر النهار سينفجرون فى العنف، وهنا ستكون المواجهة مع الشرطة خاصة بعد حظر التجوال.
- أنا أشك فى حكاية السلمية هذه.
- سيتظاهرون بذلك خصوصا أنه يقال إنه سيكون معهم حزب مصر القوية، فى هذه الحالة سيتظاهرون بالسلمية، لكن لن يستمروا.
- يحيرنى أنه حتى الآن لم تعلن جماعة الإخوان كجماعة محظورة ولم يحل حزب الحرية والعدالة. انهم يتهمون الجيش بينما حتى الآن الجيش رفيق بهم إذا لم يفعل أحد ذلك، هل انت مع الكلام السائد أن هناك من يريد إعادة النظام السابق، الإخوان والقوى المدنية فى مواجهة والنظام هو الحكم بينهما والرابح من المعادلة، نظام مبارك يعنى؟
- مؤكد أن هناك من يحاول أن يفعل ذلك لكن لن ينجح أحد فيه، الثورة قامت وستستمر، ومن سيحاول ذلك سيخسر كثيرا.
- يا أخى هناك مخاوف كبيرة من عودة الدولة القديمة، وهناك مظاهر تؤدى إلى ذلك، هل سمعت مثلا عن القبض على الإخوان فى الفجر.
- سمعت طبعا، وأتمنى أن تتغير هذه العادة، من المؤكد أن من يفعل ذلك يخاف التجمعات بالنهار الآن، فى هذا الظرف الصعب، لكن أتمنى أن ينتهى هذا النوع من القبض على الناس، سهل جدا أن ينتهى القبض على الناس فى الفجر حتى لا تعود ريما لعادتها القديمة وتشمل الجميع.
هنا ضحك بقوة وقال: مصر دى ماحدش فاهمها ابدا، وضحك من جديد وقال: شايف الشيخ الشعراوى الله يرحمه، مشغلينه علينا يزعق ويعيط ويمدح فى مصر، عليا النعمة لو كان عايش اليومين دول لكان قال مصر دى أهلها ولاد كلب ماحدش يقدر عليهم!
هنا انطلقت أضحك بقوة وقلت: حرام عليك دا شعب طيب.
- يا راجل شعب حبس رئيسين فى أقل من 3 سنين وخلى قادة المجلس العسكرى السابق يقولوا حقى برقبتى وعطا فرصة للإخوان ماخدوهاش فى 80 سنة وقال لك بتوع ربنا وخد منهم الفرصة فى سنة، وخدها إزاى؟ كل واحد نزل الميدان معاه زمارة!
سكت قليلا وقلت فى خبث: يعنى هل يمكن أن يفعل هذا مع الرئيس القادم.
- طبعا اذا ظن هذا القادم للحظة انه يمكن أن يعيد نظام مبارك او نظام الإخوان، أو أى نظام لا يحقق شعارات الثورة؟
- ألا ترى أن المصريين تعبوا؟
- قل أدمنوا الثورات.
سكت افكر فى المعنى العميق لذلك، ثم سألته: طيب ساقول ذلك لك حتى الآن لم تقل لى لماذا ضحكت كل هذا الضحك حين رأيتنى.
- ههههههههههههه لأنك قلت إن وجود أى عنصر من قيادات الإخوان فى أى قصة أو رواية يفسدها، والأفضل لأى كاتب أن ينساهم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة