حين شاركت «اليمنية» توكل كرمان فى ثورة بلادها فى عام 2011 ضد حكم على عبدالله صالح، لم تكن تكف عن ترديد كلمتين هما: «إرادة الشعوب»، وتضعهما فى جملة أطول هى: «لابد لهذا النظام أن يحترم إرادة شعبه».
أعطت ثورة 25 يناير فى مصر إلهاما للمنطقة، فتفجرت ثورة اليمن وخرجت توكل كرمان على رأس المظاهرات فى العاصمة صنعاء، وقفت مع جماهير حاشدة من اليمنيين المعارضين لحكم على عبدالله صالح، لكن جماهير أخرى كانت تخرج فى نفس الوقت تأييدا لـ«صالح»، وطبقا للصورة الفضائية بدا الشارع اليمنى منقسما بين « شعب ضد صالح «، و«شعب يؤيد صالح».
كان هذا يظهر فى الفضائيات لكن الشعب اليمنى كان يواصل كتابة تاريخه نحو الحرية، مهما دفع من تضحيات، وكانت لعبة تصدير الشعب اليمنى على أنه منقسم على نفسه فى تحديد مصيره، تمضى بنشاط فى الخارج، لكن نضال اليمنيين كان يتواصل دون توقف وهوادة.
المشهد اليمنى فيه من التعقيد ما يكفى بسبب الأطراف الإقليمية وخاصة السعودية التى لم تترك الأمر كالعادة، وتدخلت للتسوية، فوقفت الثورة اليمنية فى منتصف الطريق، فلا النظام القديم تم إزاحته كاملا، ولا استطاعت الثورة أن تغرس نظامها كما هو طبيعى بعد قيام الثورات، وقد يبدو أن هذا فيه قدر من الشبه بين مصر واليمن.
بفضل ثورة اليمن حصلت توكل كرمان على جائزة نوبل للسلام، وبفضل ثورة 25 يناير حصدت جماعة الإخوان على مغانم كثيرة، أبرزها صعودها إلى سدة الحكم بمرشحها محمد مرسى بالرغم من أنها لم تبدأ مع القوى الثورية يوم 25 يناير، وانتظرت أياما حتى لحقت بالمتظاهرين فى ميدان التحرير، وبعد عام من حكم مرسى تأكد الشعب المصرى أن رئيسه المنتخب ليس رئيسا لكل مصريين، وإنما رئيس لجماعته لأهله وعشيرته، فخرج الملايين يوم 30 يونيو لاسترداد الثورة، وانحاز الجيش للشعب، ولولا عزل محمد مرسى لكانت مصر الآن تعيش حربا أهلية.
تلك حقائق لا تقرأها توكل كرمان عضو حزب الإصلاح اليمنى، الذى يمثل الذراع السياسية لجماعة الإخوان، فهى تهاجم حدث 30 يونيو، وتعتبر أن شباب ثورة 25 يناير تم اختزالهم ببضع شباب ليؤدوا دور الكومبارس فى هذا اليوم فى مشهد بائس، هى تنفى أنها من الإخوان بالرغم من انتمائها لحزبهم، وبفرض أن هذا صحيح، فنحن أمام حالة «تأخون» منها وذلك أخطر، وسواء كانت هى «إخوانية» أو «متأخونة»، فنحن أمام حالة تلبس لها بارتكاب جريمة ضد كل الذى كانت تردده فى ميادين اليمن وقت الثورة التى حصلت بسببها على جائزة نوبل، وبدلا من كلمتى: «إرادة الشعوب»، أصبحت تقول: «إرادة رابعة العدوية»، وبدلا من أن تتعلم من درس الصورة «الفضائية» التى حاولت إظهار الشعب اليمنى منقسما على ثورته، فتعرف أن هذا يتم تكراره فى مصر بفضل فضائية «الجزيرة» المنحازة بسفور للإخوان، أقول بدلا من أن تعرف كل ذلك، تمضى فى طريق الانحياز إلى تنظيم الإخوان وليس الانحياز إلى إرادة الشعب المصرى، ولهذا كان قرارها الغريب والعجيب بسفرها من اليمن إلى مصر للانضمام إلى معتصمى رابعة العدوية، وكان القرار الصحيح بعدم السماح لها بالدخول من المطار وإعادتها إلى بلادها.