قبل نهاية السبعينيات كنا فى بداية الشباب نقضى أيام الصيف فى لعب الكرة، ونقضى الليل فى لعبة الشطرنج، ونواظب على الصلاة فى المسجد.. كان لنا صديق «قمارتى»، محترف فى لعبة الدومينو والكوتشينة على فلوس أو طلبات.
فجأة أعلن زميلنا اعتزال القمار وفرحنا، لكنه أعلن تحريم القمار، وأيضا لعب الدومينو والطاولة للتسالى، باعتبارهما «ميسر»، وتحول إلى منصة فتاوى، كل يوم يحرم شيئاً، وكلما جادله أحد أو ناقشه رد: «دليلك».
لم نهتم وانصرفنا بلعب الشطرنج، حتى جاءنا «دليل» كما أطلقنا عليه، وأعلن أن لعب الرياضة مكروه لأنه لهو، حتى جاء يوم أعلن فيه أن الشطرنج حرام، وأن لديه أدلة كثيرة، وقدم لنا أسماء فقهاء وعلماء يؤكدون أن الشطرنج يدخل ضمن اللهو الذى يُشغل عن ذكر الله. وبدأ بعض زملائنا ينصرف عن اللعب، وبدا «دليل» وقد تفرغ لتكدير حياتنا، وفى المسجد كنا نسأل فيختلف الموجودون بين محلل ومحرم.
بعض زملائنا انصرفوا عن الشطرنج، وكنا نذهب لمكتبة مركز الشباب لقراءة الأدب والروايات والتاريخ حيث نلعب الشطرنج. وفى يوم جاءنا زميلنا أحمد فرحا، وأخبرنا أنه عثر على كتاب يؤكد أن الشطرنج حلال، ودلنا على كتاب «الحلال والحرام فى الإسلام» للشيخ يوسف القرضاوى، يقدم أدلة كثيرة عن تحليل لعبة الشطرنج وأن بعض الصحابة كانوا يلعبون، وانطلقنا إلى زميلنا «دليل» الذى لم يبدُ مقتنعا، بل إنه أخبرنا بحرمانية قراءة أى كتب غير دينية.
أنقذنا القرضاوى من تنغيص «دليل»، وأكملنا الكتب لنجد صورة الإسلام البسيطة والدين اليسر الذى يقدم لناس يعيشون حياة طبيعية.
وسقط «دليل» بتعصبه، وانصرف مع زملاء لم يكونوا نابهين فى الدراسة وانغلقوا على أنفسهم، وخاصم بعضهم التليفزيون، والبعض طالب بتكسيره، حتى جاءنا زميلنا أشرف يوما وأعلن أنه ضبط «دليل» متلبسًا بسماع أم كلثوم سرًا، وهو الذى يحرمها علنًا.
كسبنا من هذه الموقعة أننا مادمنا نقرأ فعلينا أن نبحث عن ديننا وأفكارنا فى الكتب، وأيضًا ظلت صورة الشيخ القرضاوى لفقيه يقدم الإسلام اليسير، الصالح لبشر عاديين.. وبعد سنوات تصدى القرضاوى وآخرون لموجات التكفير التى اجتاحت مصر فى الثمانينيات، وأتبعها عنف يحمل أدلة منتزعة من سياقها، لفقهاء أنصاف متعلمين.
مرت سنوات وتقلبت أحداث، ودخل القرضاوى عالم السياسة، وتنقل بين دول وأفكار، بدأ يغير آراءه ويلبسها صورة فتاوى، تنقل بين القذافى وبشار وحكام الخليج، ناهيك عن تقلبات شخصية ونزوات إنسانية، كان يقول لكل مجال ما يريده، حتى استقر فى قطر، وعالم «الجزيرة».. كانت آراؤه تأخذ أحيانا وجهًا طائفيًا، تارة لصالح الشيعة، وأخرى ضدهم، حسب اتجاه الوقت والمطلوب.. يهاجم متسلطًا بتهمة القمع، ويسالم متسلطًا آخر، ووصل إلى أن يمنح حلف الأطلسى تأييدًا فقهيًا، ويبرر التدخل هنا ويرفضه هناك، ويلبس آراءه غلافا يوظف الدين لصالح نزوات السياسة والمكاسب الدنيوية، حتى صار محرضًا على وطنه فى عمر كان يجب أن يستعيد فيها صورته.
وبعد أن أنقذنا من تطرفات «دليل»، أصبحت صورته هى نفسها صورة «دليل» متلبسًا بفعل سرى لكل ما كان يحرمه علنًا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
الشيخ القرضاوى لا شك عالم دين جليل ولكن خطأه الوحيد اقحام الدين فى السياسه
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
بعض رجال الدين يؤمنون بان الخلافه هى السبيل لعودة عظمة الاسلام متجاهلين كل المتغيرات
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
لا شك ايضا ان الجهل والتعصب ينجم عنهما فتاوى مدمره تنشر كثير من الفتن والبلبله والصراع
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
التمسك بالازهر الشريف هو السبيل والنجاه من كل ما يحيط بنا من فتاوى الفتن والضلال
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
توت عنخ امون
وأخبرنا أنه عثر على كتاب يؤكد أن الشطرنج حلال
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
والسؤال الاهم - هل لديك مخلوق يعمل بالسياسه لم تهان كرامته ويشتم ويسب يوميا
بدون
عدد الردود 0
بواسطة:
Nasser
ما معنى عالم جليل؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
عدد الردود 0
بواسطة:
Nasser
ما معنى عالم جليل؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
عدد الردود 0
بواسطة:
Nasser
ما معنى عالم جليل؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
لا مفر السياسى لازم يشتم وهذا هو الفارق بين رجل الدين ورجل السياسه وكل على هواه
بدون