كل الطرق تؤدى إلى انشقاقات قادمة فى صفوف جماعة الإخوان، والشاهد يأتى من الجدل حول المبادرة التى طرحها حمزة زوبع، المتحدث الإعلامى باسم حزب الحرية والعدالة، والتى تضمنت القبول بخارطة الطريق، والاعتراف بالخطأ عن سوء الحكم خلال فترة محمد مرسى.
قبل أن تلتقط هذه المبادرة أنفاسها، دبت سكاكين جزارى الجماعة فى جسدها، حيث قال الدكتور عصام العريان فى رسالة له على مواقع التواصل الاجتماعى إنهم مستمرون فى النضال ضد الانقلاب الدموى الفاشى الذى يقوده عسكريون وقضاة وساسة ورموز المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية، وخطط لها رجال مخابرات والعدو الصهيونى والمخابرات السعودية، ومولته خزائن الإمارات. أما جهاد الحداد، المتحدث باسم الجماعة، فقال: «موقف الإخوان لم يتغير، ولا بديل عن عودة كامل الشرعية الدستورية، وإلغاء كل ما ترتب على الانقلاب العسكرى وكأن لم يكن، ولا نعترف بالخونة الذين انقلبوا على قيادتهم، عسكريين ومدنيين».
نحن أمام موقفين متناقضين يشيران إلى خلاف عميق داخل الجماعة وحزبها حول طريقة التعاطى مع الوضع الحالى، ويحدث ذلك فى الوقت الذى لا يلفت نظر الجماعة وحزبها أن الكثير من الأعضاء الذين انضموا إليه لأسباب مختلفة، ودون أن يكونوا منخرطين فى الجماعة، ومعظم هؤلاء تركوا الحزب قبل 30 يونيو وبعدها، وأعرف عناصر منهم قالوا لى فى أسباب استقالتهم إنهم لم يجدوا فيه أكثر مما وجدوه فى الحزب الوطنى أيام مبارك.
ويقودنا ذلك إلى أن الفضاء الجماهيرى المتسع الذى كان يتحرك فيه «الحرية والعدالة» أصبح منعدما، وأن العضوية التى كانت تعطيه زادًا سياسيًا مختلفًا تتبخر يومًا بعد الآخر. ولنتذكر فى ذلك ما حدث مع حزب التجمع بعد مظاهرات 18 و19 يناير عام 1977، فبعد تحميل نظام السادات المسؤولية للحزب عنها، وتعرض الحزب لحملة ضارية، تقدم آلاف من أعضاء الحزب بالاستقالة، ومن يعُد إلى الصحف الرسمية وقتئذ سيجد أن هناك صفحات يومية كاملة تحمل أسماء المستقيلين وعناوينهم، وكان ذلك ضمن أسباب أخرى بداية انحسار «التجمع» جماهيريًا.
أقول ذلك من باب أن الحزب الذى لا يخضع محنته السياسية للدراسة، لا تقوم له قائمة فيما بعد، ومن هنا نستطيع القياس على الجدل حول مبادرة حمزة زوبع. وبالرغم من اختلاف السياق التاريخى بين ما حدث لـ«التجمع» فى سبعينيات القرن الماضى، وما يحدث الآن لحزب الحرية والعدالة فإن العبرة واحدة.
أما فيما يتعلق برفض جماعة الإخوان مبادرة «زوبع»، فلا يمكن اختصاره فى مجرد خلاف فى وجهات النظر، لأننا أمام رؤيتين لا تختلفان فى التفاصيل مع الاتفاق على الأساس، إنما بينهما تناقض جذرى، فواحدة تسلم بالوضع الموجود، والثانية ترفضه، وهو ما يقود إلى احتمالات أن يتطاير هذا الشرر بين قواعد الجماعة، مما يترتب عليه الانشقاق بين صفوفها.
ومن يعُد إلى محن الجماعة فى الأربعينيات من القرن الماضى، ومحنتها بعد فشل محاولة اغتيالها لجمال عبدالناصر عام 1954، ومحنتها بعد اكتشاف تنظيم سيد قطب عام 1965، ومحنتها أيام مبارك، سيجد أن تعرضها للانشقاق هو النتيجة المباشرة لتلك المحن، كما أن استعلاءها وعدم إخضاع ممارساتها للنقد الذاتى ساهم فى عدم تجددها، وها هى الآن لا تستفيد من دروس الماضى.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
زياد عبد الرحمن
ما بنى على باطل فهو باطل!!!!