تقريبًا إحنا الشعب الوحيد فى العالم اللى دلع الشيطان.. إحنا اللى قولنا للشيطان يا «شوشو»، ولكن هل يعنى ذلك أننا دلعنا الشيطان عشان بنحبه؟.. والله ممكن تقول آه وممكن تقول لأ.. تقول آه لما تشوف كمية الفساد السياسى والأخلاقى اللى موجودة فى البلد، لما تشوف حفلات التحرش الجماعى، وحوادث الاغتصاب التى لا تنتهى، لما تشوف كمية الكذب السياسى والتجارة باسم الدين.. لما تشوف كل هذه الأمور وغيرها تقول آه.. لما تقرأ كل يوم فى صفحة حوادث خبرًا عن سقوط شبكة دعارة جديدة، وأب يغتصب بناته تحت تهديد السلاح، وبقى عادى جدًا إن الابن يقتل أبوه، أو الأب يقتل ولاده تقول آه.. وممكن برضه تقول لأ لما تشوف الأفواج اللى بتدعى وقت صلاة الجمعة، تقول لأ المصريين مبيحبوش الشيطان.. لما تعرف إن كلمة «شوشو» فى الثقافة المصرية الشعبية دلالة لأشياء كتير جدًا معظمها وحش وقبيح..
يعنى باختصار إحنا فى مصر لما دلعنا الشيطان وقولنا له يا «شوشو» كان بغرض الاحتقار والاستخفاف والاستهزاء، إحنا فى مصر بنخاف من شياطين الإنس أكتر من خوفنا من إبليس نفسه، ربما لأن أهل المحروسة اطمأنوا إلى وعد الله وحمايته لهم من شرور إبليس حينما قال عز وجل فى سورة المؤمنون (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون)، أو ربما لأن إبليس بالنسبة لنا عدو واضح لا لبس ولا غموض فى كراهيته لنا وكراهيتنا له، ومعركتنا نحن بنى البشر معه هى أقدم المعارك وأولها فى تاريخ الحياة، عداوة ملخصها أن إبليس تكبر علينا وسخر منا حينما رفض أمر المولى عز وجل بالسجود ورد قائلًا: (أنا خير منه، خلقتنى من نار وخلقته من طين)، ونحن البشر لا نحب من تكبر ولا نحب من يستخف بنا..
هذا الإصرار الشيطانى على غواية الإنسان واجهه أهل مصر المحروسة بكثير من السخرية حينما حولوا الشيطان إلى مادة لصناعة النكت، أو مومس تحمل اسم «شوشو»، ولكنه فى نفس الوقت زرع الكثير من القلق فى القلوب لدرجة أن خوفهم من كل ما هو إبليسى أصبح يطارد أصغر تفاصيل حياتهم، وأصبح هناك اعتقاد راسخ بأن الأبالسة يتعمدون إيذاء الإنسان إذا فعل أيًا من الأشياء التالية: صب الماء الحار فى الحمامات دون أن يسمى الله، البول فى الشقوق وعلى بيوت الحشرات، إيذاء الحيوانات مثل الكلاب والقطط، قتل الحيات والثعابين فى المنازل من غير تحريج عليه، الصراخ والبكاء والغناء فى الحمام.
هذا الخوف من الحيل الإبليسية دفع البعض إلى تفسير بعض الأحاديث بشكل خاطئ ليضفى على الشيطان المزيد من القوة والحضور فى حياة الإنسان، فمثلا يقال إنه يجب غسل اليدين عند الاستيقاظ من النوم، لأن الشيطان يبيت على اليدين، ويجب مسح الأنف ثلاث مرات، لأن الشيطان يبيت على الخياشيم، وصحيح أن هذه الأقاويل مبنية على أحاديث وردت بالصحيحين.. ولكن العلماء فى تفسيراتهم للحديثين نفوا تمامًا تلك الفكرة التى تقول بسيطرة الشيطان على الإنسان، وأن العلة فى غسل الأيدى فى الحديث الأول تعود إلى أن النائم لا يأمن أن يطوف بيده على موضع النجس أو على بثرة أو قملة أو أى نوع من أنواع القذارة، وبالتالى فإن الحكمة من غسل اليدين هنا هى الاحتياط من النجاسة، أما ما ورد عن مبيت الشيطان فى الخياشيم فإن الأمر كما جاء فى شرح النووى للحديث يحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم فإن الشيطان يبيت على خياشيمه على حقيقته، فإن الأنف أحد منافذ الجسم التى يتوصل إلى القلب منها، لا سيما أنه ليس من منافذ الجسم ما ليس عليه غلق سواه وسوى الأذنين.
الخيال الشعبى إذن هو المسؤول عن تلك الهالة السوداء التى تحيط بإبليس وتمنحه قوة ومكانة أكبر من حجمه، أو ربما كان الكثير من رجال الدين والفقهاء هم المسؤولون عن ذلك حينما تصوروا أن منح إبليس بعضًا من القوة وتخويف الناس منه قد يخلق لدى الناس عداوة أكبر تجاه الشيطان والمعاصى.
إبليس مجرد متكبر ضعيف يسعى لكى يغوى ما يستطيع حتى لا يكون فى النار وحيدًا، وهى محاولة يائسة من كائن مهزوم، وكل نجاح له لا يعود إلى قوته بقدر ما يعود إلى ضعف نفوسنا، التى لم تكتف بالهزيمة أمام الشيطان بل صنعت لنا بضعفها وطمعها وشرورها شياطين إنس أقوى وأطغى ألف مرة من إبليس نفسه!