أخيرًا وجدنا شيئا آخر نتحدث فيه، رغم ما نحن فيه وما نعانيه، منذ مذبحة بور سعيد «والنفس مسدودة» لأن التذكر مؤلم، ولأن نبل المنافسة تم انتهاكه، القتلة لم يتركوا مكانا للارتجال يستريح فيه الباحثون عن الانتصار، أى انتصار، يؤكد لهم أنهم قادرون على إحراز «أهداف» مجازية، تعوضهم عن الإخفاقات اليومية، فاز الأهلى ببطولة كبيرة فى ظل توقف الدورى ولم يفرح جمهوره الفرح الطبيعى، فاز منتخب الشباب «تحت 21 سنة» واستقبله الرئيس المعزول وكان سعيدا جدا بعد أن لاحظ أن الذين حققوا الانتصار شباب، وأخفق الفريق نفسه فى كأس العالم بتركيا بعد أن كبر الشباب فجأة، تحس أن اللعبة محاصرة، لا توجد ملاعب ترحب باللعب، لا يوجد جمهور يبدد وحشة العازفين على أرض الملعب، حتى روابط المشجعين تم اختطافها من أجل الصراع على السلطة، السلطة التى لا تعنى إلا الباحثين عن السلطة من ضيقى الأفق الذين يريدون استثمار أشواق الناس فى معركة حسمها الجمهور كله الذى نزل فى 30 يونيو، ومع هذا تشعر بحيوية مباغتة تدب فى جسد اللعبة، لها علاقة بحاجة الناس إلى الفرح، الأهلى يفوز على الزمالك فى مباراة لا بأس بها ويتقدم نحو مكانه الطبيعى كبطل إفريقى مخضرم، الأهلاوية فرحون دون شماتة، الزملكاوية تقبلوا الهزيمة بكبرياء قديم، ولم يقطعوا الطرق ولم يهددوا بحرق البلد، لعب الفريقان بدون جمهور وعلى أرض الجونة التى تشبه أجران القرى ولم يتذمروا، حصل المنتخب الوطنى لأول مرة على الدرجات النهائية فى التصفيات المؤهلة لمونديال العام المقبل فى البرازيل، فى ظل توقف الدورى، ومع مدرب تكنوقراط لا تستطيع أن تكون رأيا فى إمكانياته الفنية، تشعر أن شيئا يتحرك فى اتجاه البهجة، شيئا لا يقدر على الإمساك به معلقو ومحللو الفضائيات الذين يدين معظمهم بالولاء لجمال وعلاء مبارك، أولئك الذين لا فضل لهم فى التمريرات السحرية التى جعلت مصر على بعد 180 دقيقة من البرازيل، الشعراء والفنانون وعلماء الاجتماع قادرون على الإمساك بهذا الخيط الخفى الذى يجعلك تنتصر وأنت محاصر، يمتلك فريقك لا شك فطرة جيدة ويرغب فى تعويض وإسعاد الناس المحاصرة، فريق لا يعرف أين سيلعب فى مصر، وهل سيكون فى حضن جمهوره أم لا، وهل سيوافق الإخون والمتحالفون معهم على السعادة التى ينشدها المصريون؟.. الوصول إلى المونديال سيفتح أبواب رزق لباعة أعلام مصر، بعد أن ظهر باعة أغراب يبيعون أعلام القاعدة والأعلام الصفراء، سيدفع الناس إلى النزول إلى الشارع للدفاع عن الفرح، ولأن النشيد الوطنى سيتم عزفه فى قارة أخرى فى عرس الأشواق الصاخبة، نعم نستطيع ولن يغضب مجدى عبدالغنى إذا أحرز أحد غيره ضربة جزاء، أنت فى حاجة إلى الثقة فى نفسك وفى تاريخك وفى موسيقاك وثورتك وموهبتك المكبوتة، العب كما يليق بك كمصرى يعرف الطريق إلى النصر، حصن دفاعاتك أولا، وثبت التشكيل الذى سيركب الطائرة إلى بلاد السامبا، وتأكد أن فريق غانا ليس سهلا، لأنه يعبر عن بلد ديمقراطى متحضر، بلد نكروما وكوفى عنان وعبيدى بيليه، بلد الكاكاو والفلاحين الذى نجح مجتمعه المدنى فى تقليم أظافر السلطة التنفيذية، بلد لا يوجد بين نخبته أمثال سيف عبدالفتاح وعمرو حمزاوى، بلد يحب كرة القدم، وشجعنا فى أمم غانا، ووقفنا إلى جوار شبابه فى كأس العالم باستاد القاهرة «وكنت هناك»، شجعناهم واعتبرنا البرازيليين الذين نحبهم خصوما لنا، فريق غانا متخم بالنجوم، وهذه مشكلته وليست ميزته كما يعتقد محللو الفضائيات الذين لا يشبهون مصر الآن، فريق يضم على سبيل المثال إيسيان «شيلسى» وأسمواه «يوفنتس» وكلوتى «الترجى» بالإضافة إلى أندريا إيوا وجوران إيوا نجلى الموهوب الكبير عبيدى بيليه ولاعبى مرسيليا، التاريخ فى صالحك، شعروا بالانزعاج لأن القرعة أوقعتك معهم، لأنهم يعرفون أن مصر إذا اقتربت فلن تسمح إلا بغير الفوز.. مصر التى تعيش فى ظرف مؤقت برئيس مؤقت وحكومة مؤقتة وشعب مقيم، وتستطيع أن تحرز أهدافها كلها فى 180 دقيقة.