على مدار عشرات السنين ارتكبت جماعة الإخوان منذ تأسيسها الكثير من الجرائم السياسية والجنائية، لكن فى كل مرة كان الإخوان يهربون من المسؤولية التاريخية كما يهربون من وصمة العار التى استحقوها بناء على ما اقترفوه، والسبب فى هذا الوضع الملتبس هو أن الجماعة كانت تعتمد على وسائل الإعلام «الشعبى» فى الترويج لمظلوميتها التاريخية، كما أنها كانت تستخدم أعضاء الجماعة للترويج لهذه المغالطات التاريخية بحيث يصبح كل فرد فى جماعة الإخوان جهازا إعلاميا متنقلا، يبث ما تريد أن تنشره الجماعة من أفكار، ويروج ما تريده الجماعة من أكاذيب، ولأن وسائل الإعلام كانت قاصرة، ولأن الدولة لم تكن مهتمة بالرد على أكاذيب الإخوان، ولأن المستوى الثقافى العام كان يبتعد بالمواطن عن موارد المعرفة والثقافة، ولأن الشعب المصرى كان غالباً ما يعرف أن حكومته مستبدة وظالمة ولأنه كان فاقد الثقة فى كل ما تروجه الحكومة نمت أكاذيب الإخوان بشكل كبير، حتى إن الكثير من المصريين لم يكونوا يعلمون شيئا عن جرائم الإخوان، واستطاع أعضاء الجماعة عبر تكريس موجات الأكاذيب خلق رأى عام متضامن أو متعاطف معهم، وهو الأمر الذى يود الإخوان تكراره الآن فهل سيتمكنون من ذلك؟
ليس لدى شك فى أن التاريخ لن يعيد نفسه لأن موازين اللعبة السياسية والإعلامية اختلفت بشكل كبير، كما أن الإخوان لم تعد تلك الجماعة التى تبنى مجدها على فكرة أنها تقاوم السلطة الظالمة لأنها نفسها أصبحت فى نظر الكثيرين «سلطة ظالمة» ينطبق عليها نفس ما انطبق على مبارك تماماً، وأغلب الظن أيضاً أن ما سيتم مراجعته هى تلك النظرة المتعاطفة التى كان ينظر بها الناس إلى الجماعة، بما يعنى أن الإخوان لن يظفروا بـ«مظلومية» جديدة وإنما سيتم مراجعة ادعاءاتهم بالظلم فيما قبل، وهو الأمر الذى تجلى فى هتاف المصريين فى الشوارع «آه لو عبدالناصر عايش.. كان لبسكو طرح وغوايش» وهو ما يعنى أن هناك قطاعاً عريضاً من المصريين لن يسمح للإخوان بأن يعيشوا فى دور الضحية الذى يتقنونه، بل سينقلب السحر على الساحر، ويتم تبرئة الحكام السابقين من شبهة «ظلم الإخوان».
ما يرجح أن الجماعة لن تظفر بـ«مظلومية» جديدة هو أنها بغبائها السياسى النادر نقلت المعركة إلى حيث مقتلها، فلن ينظر الناس فيما بعد إلى الجماعة باعتبارها «جماعة تقاوم سلطة» وإنما سينظرون لها باعتبارها «تنظيما واجه شعبا» إذ فقدت الجماعة تقريباً جميع أسلحتها الإعلامية الشعبية، وبعدما كان الإعلام الشعبى هو مصدر قوتها أصبح مصدر ضعفها، وإذا ما حاول أحد أعضاء الجماعة أو متعاطفيها الترويج لفكرة «مظلوميتها» سيجد ألف يد تمنعه من الوصول إلى غرضه، كما أن حرية الإعلام ستساهم بشكل كبير فى الرد على أكاذيب الإخوان، أضف إلى ذلك أن الجماعة لن تنجح فى استعطاف أحد بمشاهد ضحاياها وبكائياتهم لأنه على الجانب الآخر هناك ضحايا سقطوا بيد الإخوان، ولن تنجح الجماعة أيضاً فى الاعتماد على جهل الناس بالحقائق لأن موارد المعرفة والثقافة تنوعت بشكل كبير، وأصبح الشعب المصرى الآن أكثر وعياً وأعمق إدراكاً، أضف إلى هذا أن الإخوان استطاعوا أن يستعدوا قطاعاً كبيراً من مناصريهم السابقين مثل أبناء الدعوة السلفية، بما يعنى أنهم لن يستطيعوا أن يكرسوا لفكرة أن مناهضيهم «كفرة» يحاربون الإسلام.
يبقى هنا أن نسأل: هل حسمت المعركة الإعلامية والتاريخية لصالح التيار المدنى ضد الإخوان، وهل سيخرجون من المعركة بعد كل هذه الأحداث والضحايا باللاشىء؟
نكمل غداً.