طول الوقت نسأل الإخوان المسلمين والتيار الإسلامى عن أهدافهم واستراتيجيتهم وضرورة تحمل مسؤولياتهم تجاه أمتهم ووطنهم، بينما لا نوجه السؤال للدولة المصرية والمجتمع عن خارطة الطريق التى نمضى وفقا لها جميعا إلى أين تأخذنا وتذهب بنا. الشىء البارز الواضح فى عمل الدولة المصرية ومن ورائها مجتمعها هو ملاحقة الإخوان المسلمين والقبض على قياداتها والقيام فى الإعلام عليها بالنقض والنقد والتشريح والتحليل، لكنه لن تقوم دولة بالأمن وحده رغم أهميته، كما لن تقوم دولة باندفاعات تصل لحد ممجوج من قبل وسائل الإعلام ومديرى برامج التوك شو لإيقاد مزيد من الحرب تجاه الإخوان بل العالم كله. صحيح أن الكتلة الصامتة الكبيرة فى المجتمع المصرى خلف الدولة المصرية وليست مؤيدة لاتجاهات التحالف الوطنى لدعم الشرعية فى منطلقاته الرئيسية حرصا على الأمن من ناحية وسعيا للبحث عن تحسن فى الوضع الاقتصادى يخرج الدولة والمجتمع من أزمة ماحقة لن يحلها فقط الضخ المالى من دول الخليج.
التعديلات الدستورية الجديدة ألغت العزل السياسى لقيادات الحزب الوطنى القديم، وهو ما جعل هذه القيادات تفهم أنها يمكنها العودة لتصدر المشهد السياسى وإدارته بنفس المنطق القديم الذى كان موجودا فى عصر مبارك، وتلاعبت بعقولهم الأمانى بأنه بالإمكان عودة دولتهم القديمة، وفى الطريق أيضا يحاول هؤلاء أن يضخموا فى الموجة الثانية الكبيرة للثورة وهى 30 يونيو، وكأنها ثور بذاتها مستقلة عن الثورة الأصلية التى قام بها الشعب كله وناضل شبابه من أجله وهى ثورة 25 يناير. الدول والمجتمعات تسعى لتمجيد كل أيام نضالاتها، بينما نرى نحن فى ظل الاستقطاب الحاد ومحاولات عودة الدولة القديمة ممثلة فى وجوه إعلامية تطلق الشائعات وتستنزف طاقة المجتمع بدون مهنية وبدون التحقق من الأخبار، وكأن الطريقة العكاشية –نسبة إلى توفيق عكاشة- أصبحت هى السائدة، لحد أن يكتب فى الأهرام أهم صحيفة مصرية عن ثورة 25 يناير أنها نكسة.
الحقوقيون المصريون دخلوا الحرب كما الإعلاميون كطرف فى الصراع فى مواجهة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامى، بدون مهنية أيضا وبدون جدية فى متابعة تقاريرهم الميدانية عن الوضع الحقوقى والإنسانى للإنسان المصرى أيا كان، وهم -الحقوقيون- كانوا رأس حربة مهمة فى مواجهة الانتهاكات التى قام بها نظام مبارك فى وجه خصومه من التيار الإسلامى.
فى التحليل النهائى سؤال الدولة والمجتمع بعد 30 يونيو لن يكون فقط مسألة الأمن وملاحقة جزء من الأمة المصرية لكى يريح قطاعا آخر منها، ولكنه من وراء سؤال الأمن أسئلة أخرى مهمة وهى كيف نحقق هيبة الدولة المصرية واستعادتها قوية متعافية؟ والسؤال الثانى هو كيف نحقق وضع بلدنا على الطريق الصحيح لبداية ديمقراطية حقيقية تنقلنا من الاستبداد والعصبوية إلى تمثيل المجتمع كله بما فى ذلك أولئك الذين لهم برامج مختلفة متنافسة حتى مع الهيئة الحاكمة أو النظام السياسى الحاكم؟ وهيبة الدولة تكون بامتلاكها لمشروع اقتصادى اجتماعى ينحاز بشكل واضح لا لبس فيه للفقراء والمهمشين فى المجتمع ومنحاز للشباب بحيث يسعى لدمج القطاعات المتمرده فيه داخل الدولة ومنحها أمل فى حياة أفضل. والديمقراطية تكون بتخفيف نزعة العقل الأمنى أو جعل هذا العقل خادما للحلول السياسية القائمة على التوافق والتسامح وقبول الآخر وتكون بإعلام مسؤول يلتزم تجاه مجتمعه ولا يكون بوقا لتسعير الحرب داخل المجتمع وطوائفه، وتكون بطرح حلول لجذب قوى التيار الإسلامى للمشاركة السياسية وليس استبعادها ونبذها. كل هذا يكون قائما على التأكيد على ثورة يناير وقيمها وعلى احترام موجة 30 يونيو وعلى أن الدولة القديمة ونخبتها وإعلامييها لن تعود.