كالعادة هناك من السياسيين والنخبويين من يصر على نقل الجدل من الأصلى للفرعى، ومن الأساسى للهامشى. من دون إدراك لضرورة الانتقال السريع من الانتقالية.
وكلما تصورنا أننا سنخرج من النقاش للجد، نعود للنقطة بنجاح، فقد بدأت «الحنجلة» بحزب النور الذى عين نفسه وكيلاً رسمياً للإسلام والهوية المصرية والعربية، واستنفد وقتاً وجهداً، فى تأكيد ما هو مؤكد حول هوية مصر، وهدد بالانسحاب مرة، وبالعودة مرة أخرى.
هذه الحالة هدفها إضاعة الوقت والجهد فى مناقشات بيزنطية، حتى يتحقق لهم ما يريدون من تعطيل المراكب وتعكير الأجواء. فهؤلاء يفضلون النقل للقضايا الهامشية ويحملون ادعاءات تافهة ويقينا كاذبا، مثلهم بالضبط مثل مدعى الثورية والتنوير، ممن يصرون على البقاء فى نفس المربع الجدلى الهامشى ولهذا لا ينتقلون إلى المواد المهمة عن العدالة والحرية التى تعنى الدواء والدخل والمسكن والتعليم، لكل مواطن بما يحفظ كرامته ساعتها، ويفضلون الجدل العقيم حول هوية محسومة أو طائفية مذمومة.
وقد عدنا لقضية الوقوف حداداً، حيث سجل ممثل حزب النور انتصاراً تاريخياً وجغرافياً، وسياسياً، عندما رفض مشاركة زملائه فى لجنة الخمسين تحية شهيد فقد حياته، بينما أخينا يستمتع بحياته ومكاسبه التى حصل عليها مع أنه لم يشارك فى مظاهرات يناير ولا يونيو ولا ذو القعدة.
وقد عشنا شهوراً فى جدل تحية العلم والنشيد الوطنى، وما إذا كان العلم وثنا، والنشيد هو أغنية من أجل اللات والعزى. ومازال لدينا عدد من كبار الواقفين والجالسين فى حزب النور، ليس لدى أيهم إنجاز، سوى رفض تحية العلم. ولم يضبط أحدهم متلبسا بالدعوة لحماية الفقراء، أو طلباً لضمان العلاج العادل والإنسانى للمواطنين، ولا يشغلهم التعليم ولا السكن، ولا يرهق إيمانهم ملايين العاطلين والمرضى ممن تضيع كرامتهم. فقط هم يتفرغون لمعاداة علم مصر الذى كان رمزاً لثورتها، ولا يعترضون على رفع الأعلام السوداء لتنظيمات الخراب، ويصر بعض ضيقى الأفق إلحاحاً أن يبقوا فى المربع صفر لا يغادرونه. ويعتبرون علم بلادهم حرية شخصية. والحل فى مواجهة هراء الجدل العقيم، هو التركيز على ما ينفع الناس، وأن تنصرف لجنة الخمسين إلى إقرار الدستور. وتتجاوز جدلاً جديداً تم اختراعه، حول المفاضلة بين دستور جديد، أو تعديل دستور الشقاق، وقد مرت شهور طويلة نظن المصريين أعلنوا عما يريدونه من الدستور، ثم إن صلاحيات اللجان سواء العشرة أو الخمسين فى التعديل، يمكن أن تصل إلى النص كاملاً. بما يعنى أن جدل الجديد والقديم، ليس له محل من الإعراب. وربما كان من الأجدى أن تنتهى لجنة الخبراء «العشرة» من عملها ليطرح الأمر لنقاش عام، قبل أن يطرح لاستفتاء.
وليت السادة أعضاء لجنة الخمسين يعملون فى صمت، ويتوقفون عن التصريحات الكيدية، ويتفهمون أن التصريحات المستفزة كانت أحد أسباب الغضب الشعبى من الجماعة وملحقاتها، ورجالها. ويعلمون أن الشعب لم يعد يفتقد الوعى، وأن الشعب المصرى يريد دستوراً يضمن له كرامته وحريته، والمساواة وتكافؤ الفرص. وكل هذا هو ما يحقق العدل والشرع والقانون والإنسانية.