الكل يكتب لك الآن عن الدم، والمظاهرات، وخطط الإخوان والمتطرفين للانتقام من الشعب الذى أزالهم من فوق كراسى السلطة، وبعضنا يكتب لك مستغلاً ذكرى رحيل جمال عبدالناصر عن زمن الأبيض والأسود الجميل بفنه وقيمه وأخلاقه ورجاله، وأنت تقرأ وتقارن بين ما تشاهده من ردح سياسى ودرامى على الفضائيات، دون فرق بين ما يقدمه السياسيون على هواء برامج التوك شو، أو تقدمه غادة عبدالرازق، وعلا غانم، ودينا، والسبكى على شاشات السينما والتليفزيون..
أنت تشعر بالملل من كل هذه الأكاذيب السياسية والفضائح الرمضانية التى أفسدت عليك شهر رمضان الماضى، ومازالت تطاردك فى عرضها الثانى عبر الشاشات المختلفة، أنت فى حاجة إلى إطلالة إنسانية على مشهد مختلف، شغلك وشغل الناس أجمعين فى العام 2007، ومع ذلك لم يسع أحد لتكراره أو لدراسته.
وسط كل هذه السرقة التى تتم عينى عينك للمال العام، والفكر العام أيضاً، عبر تلك المسلسلات والبرامج التى تتعامل معنا، وكأننا جمهور داقق عصافير، أو مخدش شهادة محو الأمية.. تذكرت «ماما نونا»، تلك البصمة التى منحت لرمضان 2007 طعما مختلفا، وتذكرت معها كيف كنا نصنع مسلسلات فى الماضى تحمل فكرة ومضمونا قبل ضرب النار، وقمصان النوم والترامادول، وزنا المحارم، لا أعرف لماذا تذكرت «ماما نونا» فى مسلسل «يتربى فى عزو»؟ ولماذا شعرت للحظة أن فى هذه الفترة ستحل ذكراها السادسة؟.. ربما لأنها أصبحت رمزاً ما لشىء نفتقده، أو ربما لأنها عبرت عن الهدف الحقيقى للدراما.. أى دراما، أو ربما لأنها تذكرنا بما تفعله حركة مغادرة الكبار للدار التى تتحول إلى خرابات إنسانية، بعد سنوات من العمار بحنان وطيبة وحب، مصدره الوحيد حضن امرأة من زمن ماض، قد تكون أما أو جدة أو خالة أو عمة، أو حتى قريبة من الدرجة الرابعة يجتمع ما بين ذراعيها كل رأس تئن بالشكوى، أو قلب ذائب من التعب، ربما لأن كلا منا عاش تجربة تلك الجدة الجميلة التى تصون وتحمى وتسمع وتحتضن وتتساقط يدها بضربات خفيفة على كتفيك فى زمن عزت فيه الطبطبة، وعز فيه الحنان، ربما لأنها كانت ضاحكة مهما كانت المشاكل ومساندة مهما كانت الأزمات، ربما لأنها الوحيدة التى تفرد يدها بالعطاء ولا تحركها «ملليمترا» واحدا من أجل طلب.. ربما بسبب كل ما سبق وأشياء أخرى أكثر جمالا مما سبق، بكينا أنا وأنت لفراق «ماما نونا».
أذكر تلك اللحظة التى قالوا لى فيها إن والدك قد صعدت روحه إلى السماء، ولم تدمع عيونى أو تصرخ أحبالى الصوتية، فظنوا أننى لا أصدقهم، ولماذا أصدقهم وأنا أملك حق اختيار آخر؟ أن أحلم وأفكر فى ضمته القوية لى عند دخولى من الباب.. نحن لا نصدق المصائب التى تحرمنا عادة من أشياء نحبها، لا نصدقها بسهولة، ونظل نرقص على سلم الواقع والخيال فنبكى حينما نجد أماكن من نحبهم خالية، ونشاهد تلك الشريطة السوداء على صورهم، ثم نضحك ونتنفس بحرية، حينما نروح فى النوم ونمارس معهم كل ما نشتهيه من طقوس كنا ننعم بها فى الحياة.
فى الواقع لا نستطيع أن نلوم الله ولا الموت حينما يختطف منا أحبابنا، أما فى حالة «ماما نونا» فمارسنا لأول مرة حق الاعتراض على الموت، ومقالبه السخيفة، وقلناها فى نفس واحد: ليه.. ليه يموتها؟!
تسأل نفسك لماذا بكيت على شىء تعلم جيدا أنه تمثيل فى تمثيل، ولماذا أصابك الحزن على فراق امرأة يمكنك بملامسة عدة أزرار على هاتفك، أن تكلمها حتى الصباح، وتشكر فى أدائها الرائع.. فقط لو معك نمرة كريمة مختار.. بكيت لأن نموذج «ماما نونا» داعب فى مخيلة عواطفك تلك الصورة الحنونة للأم المصرية، بكيت الدفء الذى يسكن منطقة معينة فى الحياة، ونحن بكل بساطة نحرم أنفسنا منه.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
جرجس
رائع كما تعودنا منك دائما
عدد الردود 0
بواسطة:
م/احمد
مقال رومانسى يخفف من كآبة هذه الايام
مقال رومانسى يخفف من كآبة هذه الايام
عدد الردود 0
بواسطة:
سامر
اين دور الكتاب والمفكرين فى اثراء المجتمع بالافكار البناءة والاعمال الراقيه وبناء جيل نفتخ
هذا دوركم سيدى الفاضل فلتبدؤا والله الموفق
عدد الردود 0
بواسطة:
نور
يوسف معاطي
عدد الردود 0
بواسطة:
كيميائى عادل عبد الفتاح
بالفعل أنت كبيرك تبكى على ماما نونة ! أما نحن فنبكى على مصر ! أنت عايش معانا !
عدد الردود 0
بواسطة:
كيميائى عادل عبد الفتاح
بالفعل أنت كبيرك تبكى على ماما نونة ! أما نحن فنبكى على مصر ! أنت عايش معانا !
عدد الردود 0
بواسطة:
amany
أستاذ محمد أستاذ و لكن
عدد الردود 0
بواسطة:
amany
أستاذ محمد أستاذ و لكن
عدد الردود 0
بواسطة:
آدم عبد ربه آدم
أبحث عن السطحيه والتفاهه