بعض ردود الفعل على إعلان تشكيل لجنة الخمسين لكتابة الدستور، تدخل فى سياق التفاعل والبعض منها يدخل فى سياق الصبيانية والكيد السياسى، ويكشف عن أمراض النخب السياسية المزمنة. وأى لجنة فى الدنيا سوف تكون عليها مآخذ وانتقادات. لكن الطبيعى أن تكون فى إطار المنطق وتتجاوز رد الفعل الذى يبدو أحيانا نوعا من العبط.
ومنها ردود أفعال متوقعة، كتلك التى يحرص حزب النور على اختراعها من أسابيع، ضمن موقف متردد يريد منه إرضاء كل الأطراف.
المشكلة ليست فى الدستور ولا فى اللجنة التى تكتبه وإنما فى التوافق الوطنى حوله، وأن يأتى مرضيا ومعبرا عن إرادة الشعب ضامنا لحريات التعبير وأيضا الحريات الاجتماعية والاقتصادية. وأن يحتوى على مواد تضمن العدالة والمساواة للمواطنين، وتكافؤ الفرص وحقهم فى التعليم والعلاج والعمل، أو مقابل بطالة. وهى أمور ربما يرى البعض أن القوانين تنظمها، لكن الحقيقة أن وضعها فى الدستور يجعلها فرضا وليس اجتهادا. والأهم أن تكون هناك مواد لتنفيذ هذه المواد، وألا تكون مجرد عبارات فى المدونة الدستورية، لأن الكثير من دساتير العالم تحتوى على ضمانات للحريات حتى دساتير الدول المستبدة. ولا ننسى أن دستور 71 كان يتضمن مواد للحريات والتعبير والعدالة، لكنها لم تكن مطبقة. وحولها الاستبداد إلى مجرد مواد إنشائية. وفيما يخص السياسة والسلطة، مطلوب أن تكون هناك صلاحيات واضحة ومحددة للرئيس والحكومة، ولكل من السلطتين التشريعية والقضائية، مع ضمان عدم التداخل والفصل التام بين السلطات. وضمان إرادة الناخبين قبل الصناديق وأمامها، ووضع قواعد تمنع أى تيار من فرض تصوراته، بحيث يكون ما للدولة للدولة، وما للسياسة لها. وما لله لله.
والكثير من الدساتير فى العالم كتبها محترفون وخبراء وأساتذة وفقهاء دستور، بل ومواطنون عاديون. ولم تكن لجنة دستور مرسى فقط هى المشكلة ولكن السياق كله كان مفبركا، وخالياً من أى رغبة بالتوافق، فضلا عن حالة السلق والضرب التى انتابت اللجنة فى ساعاتها الأخيرة، وكيف تحول مستشار مثل حسام الغريانى إلى مجرد ترزى ضمن ترزية كثيرين، ولا ننسى أنه تم اختطاف اللجنة والصياغة فضلاً عن الركاكة ودس مواد لقيطة وتجاهل أهداف الشعب فى الدستور. لقد كانت طريقة تشكيل لجنة الدستور وكتابته من قبل جماعة الإخوان طريقة احتكارية استعبادية إقصائية. تملصت فيها من كل الوعود وأصروا على اتباع طريقة الحزب الوطنى بصورة أسوا، وكانوا حريصين فقط على إرضاء حلفائهم وحولوا الخلاف إلى خلاف حول الهوية بينما الخلاف كان حول جماعة تصورت أنها اختطفت البلد بما عليها.
والهدف الرئيسى من الدستور هو تحقيق ضمانات العدالة والحرية والمساواة، وهى أهداف تتحقق بالنقاش والمطالبة، وليس بالكيد والضجيج. مع ملاحظة أن مصر لديها تراث دستورى وقانونى عريق، وخبراء الدستور فى مصر هم من وضعوا الدساتير العربية والإفريقية، وبعد عامين يفترض أن يكون الجميع عرفوا مايريدونه من الدستور، وأنهم لا يبدأون من الصفر. وأن الحيرة يصنعها أحيانا هؤلاء الذين يعبدون صورتهم فى التليفزيون. ويمارسون الصبيانية السياسية، وهم من أغرقوا الناس فى الحيرة.