جربت مصر الإرهاب مرات عديدة، وفى كل مرة كان الأبرياء يدفعون الثمن، وفى كل مرة أيضا كان المصريون ينتصرون، لأنهم يفرقون بفطرتهم بين الحق والباطل، ولا تزال ذاكرة المصريين تحمل تفاصيل ضربات الإرهاب من نهاية السبعينات واغتيال تنظيم التكفير والهجرة للشيخ الذهبى وزير الأوقاف، ثم موجة الإرهاب فى الثمانينات التى بدأت باغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات، وما تلاها من مذبحة ضد ضباط وجنود مديرية أمن أسيوط من تنظيم الجهاد.
توقف الأمر قليلا قبل أن يعود فى نهاية الثمانينات والتسعينات، والتى شملت محاولات اغتيال وزراء منهم وزراء داخلية، فضلا عن محاولة اغتيال الوزراء رئيس الوزراء عاطف صدقى، لم تتوقف الاغتيالات على الوزراء الداخلية أو الوزراء، وامتدت لكتاب، على رأسهم نجيب محفوظ وفرج فودة.
عقلية الإرهاب لا تعرف الرحمة ولا تحسب حسابات وجود أبرياء فى أماكن التفجيرات والاغتيالات. ولا تزال ذاكرة التسعينات تحمل قصة "شيماء"، التلميذة البريئة التى راحت ضحية محاولة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق عاطف صدقى، ومثلها كان أبرياء يتساقطون، فى تفجير مقهى وادى النيل بالتحرير، وكانت أكثر الأعمال إجراما قتل السياح فى الدير البحرى بالأقصر، وبالرغم من أن الإرهاب يواجه المجتمع والدولة ويتعرض لهزائم، فإنه يكرر نفس السلوك متوقعا تحقيق نتائج أخرى.
الإرهاب لا يواجه، وإنما يستخدم الغدر والمفاجأة والهدف هو نشر أكبر قدر من الخوف، ويتم بدافع الانتقام، وتمارسه جماعات تمثل الجزء المسلح للكيانات المختلفة، ولدينا جماعات تخوض حربا فى سيناء ضد الجيش والشرطة، وتم الإعلان عن ضبط أسلحة ومتفجرات خلال الأيام الأخيرة، تزامنا مع تهديدات وتحريض من قبل الجماعات الإرهابية والجهادية.
جماعة الإخوان من جانبها تنفى علاقتها بعمليات الإرهاب، وتدلل على ذلك أن الإرهاب فى التسعينات كانت تقوم به جماعات ليست منهم، وإن كانت تستند لأفكار منظرى الجماعة الأم، مثل سيد قطب. كما أن جماعات الإرهاب تنطلق من تكفير المجتمع والدولة، وبالتالى تستحل الدم والمال.
الجديد الآن هو أن الإخوان طرف فى الصراع، وأغلب ما تم من تهديدات مرتبط بحلفاء الجماعة، بعد 30 يونيو، كما كانت الجماعة طوال الوقت تهدد، صحيح أن القيادات نفت التورط فى العنف والتعذيب، لكن هناك دلائل على استخدام السلاح والرصاص فى مواجهة الدولة تزامنا مع الاعتصامات والمسيرات.
وهناك حجة جاهزة لدى الإخوان أن خصوم الإخوان يفعلون ذلك، وبعضهم ادعى أن الجيش قتل جنود رفح، وهو ما ثبت وهميته، بعد القبض على متهمين. ولا يمكن تجاهل حجم التحريض والتهديدات، ودعوات الانشقاق على الجيش التى تنطلق من دعاة وقيادات قبل وبعد وأثناء اعتصامات رابعة، ولا يزال الدكتور يوسف القرضاوى يفعل ذلك باستمرار.
ولو فعل خصوم الإخوان ذلك لن يسقط كل هؤلاء الضحايا، ولا حجم التدمير، الذى يحمل توقيعات الجماعات الإرهابية التقليدية، من سيارات مفخخة وقنابل موقوتة، هذه الجماعات تعيد الخطة فى كل مرة وتنتظر نتائج مختلفة بالرغم من أنها تتبع نفس الطريق، لأن التكرار لا يعلم الإرهاب.