بطريقة حكى مدهشة كتب «مكاوى سعيد» كتابه الجميل «كراسة التحرير - حكايات وأمكنة»، والذى يسجل فيه معايشته لتلك الأيام المجيدة التى عاشتها مصر فى ميدان التحرير أيام ثورة 25 يناير، يكتب بسرد روائى جميل وبسيط معهود منه، وإذا كان ميدان التحرير حدث فيه آلاف الحكايات التى لم يتم تدوينها بعد، فإننا أمام كتاب يحمل بعضا منها، وحين تقرأه تسأل نفسك من يقدر على جمع كل هذه الحكايات وكيف، حتى نرى تاريخا حقيقيا مكتوبا عن تلك الأيام الاستثنائية فى تاريخ مصر؟.
كان «مكاوى سعيد» ممن رأوا هذه اللحظة وعاينوا أحداثها، ودونوا وقائعها، وكما يقول فى مقدمة الكتاب: «حمل قلبى وعقلى مشاهدات كثيرة وأحداثا بعضها كان منطقيا، نابعا من جهد جيل ثائر غالبه من الشباب الرائع الذى حسم خيار الحرية، وسار نحوها وبعضهم مثلى ممن انتظروا طويلا حتى قادهم الشباب، وحرروا أصواتهم المكتومة، وبعض المشاهدات ظل عقلى فى حيرة منها، إذ بدت متجاوزة للمنطق وتحوطها الغرابة، وكانت تحمل فى كل لحظة روح البشارة بغد مختلف، كان لابد لى أن أضع هذه المشاهدات فى نص، ولحسن الحظ كنت أكتبها ملخصة فى كراس بحجم الكف حملته فى جيبى طوال أيام الثورة، وعندما عدت لمطالعته وجدت المرائى تتداعى، والمشاهد تتدفق وتأتلف مع مشاهد أخرى، فقلت: ولم لا؟ فليكن مجرد كراس أضعه بين يدى القارئ بحاله الذى كان عليه».
ما هو الحال إذن الذى عليه الكتاب الصادر عن «الدار المصرية اللبنانية»؟
فى النهج هو متابعة لما بدأه «مكاوى» فى كتابه «مقتنيات وسط البلد»، الذى وضع البشر فى بؤرة الحكاية، ويقول إنه لم ينس الأماكن التى لا تشكل فقط خلفية للأحداث، لكنها تتشكل كجزء منها، ويضيف أنه حاول أن يكتب عن البشر أكثر مما يكتب عن الوقائع، عن الإنسان الذى هو روح الثورة وهدفها، كتابة لم يرد لها أن تصنع وهم الاستثناء، ولا أن تغرق فى قعر الإحباط، وإنما تتجاوز السياسى بسخونته واهتزازته العنيفة لتستقر عند الإنسانى بعمقه ووضوحه.
يقدم مكاوى سعيد فى كتابه نماذج من البشر الذين شاهدهم فى الميدان، «صابرين» و«نمر الثورة كمال خليل» و«الثورى الحالم بيير سيوفى» و«عم عبدالتواب» و«أحمد لطفى» و«كارولين» وأم يوسف».
يقدم حكايات من وعن الأماكن، مستشفى الميدان، وأماكن الضيافة، والخطط والمعارك الحربية، والصوت والضوء والألوان، ومراكز الأسرى، واللجان الشعبية، والألتراس، والشوارع والأماكن الشهيرة التى تتفرع من الميدان.
ويحفل الكتاب برسوم رائعة للفنان عمرو الكفراوى، ويهديه إلى المفكرين الراحلين الذين بشروا بها، الدكتور أحمد عبدالله رزة، والدكتور محمد السيد سعيد، والذين لم يلحقوا بها، يوسف أبورية وسعيد عبيد وأسامة خليل، والأحباء الذين غادروا قطارها ولم تكتحل عيونهم باستقرارها، سامر سليمان وأحمد لطفى، والشهداء المجهولين وهو يطوفون حول دمائهم التى تملأ كئوس الأنخاب، والذين مازالوا على الدرب سائرين باذلين أرواحهم حتى تعود مصرنا من جديد.. وغدا أستكمل.