كتبت من قبل عن صراع النماذج، وقلت نعم هناك نموذج إسلامى، فالإسلام جاء بنظام للحياة، وأعطى معنى لها مختلفا عن النظام المادى الدنيوى الدهرى، وله تصوراته عن المبادئ الحاكمة للنموذج، فقيمة العدل مثلا هى القيمة الرئيسية فيه، وهى القيمة العليا التى يجب أن نفهم من خلالها بقية القيم الكبرى مثل الحرية والمساواة التى هى قيم عليا فى النموذج الليبرالى الرأسمالى الغربى، والنموذج الاشتراكى الماركسى الغربى أيضاً. والنموذج الإسلامى هو نموذج إنسانى بالضرورة، يكرم الإنسان ويعتبر كرامته أحد مقاصده، كما يعتبر حريته واختياره مقصداً له، «ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر»، كل بنى آدم لكونه آدميا، نسبة إلى أبينا آدم عليه السلام، ذلك المخلوق الأعظم حامل أمانة الله ورسالته إلى الأرض للعمران والاستخلاف. والنموذج الإسلامى يقوم على التكافل والتآخى وحماية الضعيف ونصرة المظلوم، والمشاركة بين الغنى والفقير، ألا لا يبيتن رجل مسلم وجاره جائع، والناس شركاء فى ثلاثة الماء والكلأ والنار، وهى مصادر للثروة لا يجوز لأحد أن يحتكرها، ويحول بين الناس وبينها، فهى رزق الله لعباده جميعا، بدون أثرة ولا خصخصة أو احتكار.
والنموذج الإسلامى يحرم العدوان على النفس، وعلى الممتلكات، أو على العقيدة، وإكراه الناس عليها، فحفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، هى الضرورات الخمس التى اعتبرتها الشريعة قواما للعمران والاستخلاف، وقال الشاطبى فى موافقاته، إنها فى كل قوم وملة، فشرع الإسلام أحد مرتكزاته الكبرى «لا إكراه فى الدين»، وشرع حماية النفس بالقصاص وشرع حمايةالعقل بتحريم الخمر، وشرع حماية النسل بالزواج الشرعى وحرم الزنا والعلاقات المفتوحة، كما حرم قذف المحصنات، وشرع حماية المال، فقال تعالى «ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التى جعل الله لكم قياماً»، كما شرع التجارة وحرم الربا والغش والاحتكار وغيرها من المعاملات التى تؤدى لضياع المال وتبديده. والنموذج الإسلامى يفرض الزكاة على الأغنياء للفقراء حقاً معلوماً، والصدقات من ورائها، وفى ظل مجتمعات تتباين فيها الثروات بشكل خطير، فإن الدولة عليها أن تتدخل للحد من هذا التباين الذى يخل بالأمان الاجتماعى للمجتمع، فالأخذ من الغنى للفقير، هو حماية للمجتمع كله، فجارك حين يكون مكتفيا هو أمان لك، أن لا تدفعه الحاجة ليقفز على بيتك ليسرقه، فتنازع الناس للدنيا وتنافسهم على ثرواتها بغير حق، يقود إلى فساد العمران، وتهديد وظيفة الاستخلاف، ولذا تتدخل الدولة لحماية العمران والدنيا من أن تعمها الفوضى ومشاعر الجنوح والكراهية، فما جاع فقير فى حى إلا أن أغنياءه لم يؤدوا تجاهه حق الله عليهم فى أموالهم التى اكتسبوها بفضل فقرائهم ومجتمعاتهم، وليست فقط بشطارتهم. لا أريد الاستطراد أكثر، ولكن فكرتى الرئيسية هى أن النموذج الذى نبشر به، هو نموذج لا أملكه أنا وحدى كنخبة، وإنما هو نموذج ملك للجميع، يشارك الجميع فى بنائه وفى الاجتهادات حوله، هو ليس نموذجى أنا، وإنما نموذجنا جميعاً، وفكرة الطليعة التى تملك النموذج هى بالأساس فكرة ماركسية، تسربت لدى الإسلاميين، فرأوا أنه لابد من طليعة مؤمنة، هذه الطليعة هى التى تحمل النموذج وهى التى تفهمه وتفسره وتجتهد له، وهى التى يجب أن تسعى إلى السلطة من أجل فرضه على الناس وعلى المجتمع. النموذج لا يحتاج إلى سلطة، لأنه نموذج يتشارك الجميع فى تطبيقه، هو نموذج للمجتمع وبالمجتمع، ويتغير من خلاله المجتمع، ليس شرطاً أن تكون هناك سلطة فى يدك لتحقق نموذجك، ربما تكون السلطة عبئاً عليك.